في «جنيف 2» وجّه الأمين العام للامم المتحدة السابق بان كي مون دعوة لإيران للمشاركة في نشاط المؤتمر الدولي المخصص لبحث الازمة السورية، فجاءت السعودية لتقول «علناً» لا مكان لإيران في الحل السياسي في سورية، فما كان على الولايات المتحدة الأميركية، إلا ان تؤكد على هذا الكلام الذي يفسّر رغبتها المبنية على حساباتها المباشرة في التعاطي مع الملف السوري، فما كان على «بان كي مون» حينها إلا الخروج بمعادلة قوامها «سحب الدعوة»، أي دعوة إيران للمشاركة باعتبار ان كل دولة لم توافق على بيان «جنيف 1» لا يمكنها المشاركة في «جنيف 2». وهو الامر الذي يعني ان الدعوة لإيران ستسحب، لأنها لم توافق على بنود «جنيف 1» بطبيعة الحال.
كانت المملكة العربية السعودية تضع «فيتو» على مشاركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مساعي الحل السياسي السوري في جنيف، فتُخرج إيران. اما اليوم وفي إطار مسار «استانة» لوقف اطلاق النار او التهدئة، وهو برعاية روسية إيرانية تركية، حيث تغيب السعودية عنه، بعد أن كانت هي ثقل المعادلة السورية، وهي التي تقرر من يحضر في المؤتمرات الدولية المخصصة لسورية او الإقليمية وباتت إيران «راعياً» لمؤتمر أستانة وليس فقط مشاركة بإيجاد حل للملف السوري.
اما مسار جنيف ابتداء من «جنيف 4» الحالي، حيث تشارك السعودية وإيران اليوم، فإن أموراً كثيرة تغيّرت وباتت مشاركة 14 دولة، بينها إيران، التي اشترطت للدخول أن يتم إدخال مجموعة دول أخرى ترى طهران ان وجودها ضروري لإنجاح المسار الدولي، فكان ذلك ودخلت الاردن والعراق وبالتعاون مع روسيا تمت إضافة مصر ايضاً.
المسار السياسي لايجاد حل يمني للحرب اليوم يعيش شيئاً مشابهاً لتطورات الحل السياسي السوري في سورية، فبعد كل التصعيد السعودي بوجه إيران، يزور المبعوث الأممي لعملية السلام في اليمن اسماعيل ولد الشيخ احمد العاصمة الإيرانية طهران من اجل التباحث بإيجاد مخارج للحل والتعاون في هذا الملف. وهذه الزيارة وحدها «اعتراف» باستحالة إحداث اي تقدم في هذا المسار بدون المشاركة الإيرانية، وأن استبعاد إيران منذ البداية لم يكن سوى خطوة قلّصت الأمل في التوصل لنتائج وأبعدت آفاق الحل مع اطالة امد حرب شرسة، خصوصاً أنه في وقت مبكر من الازمة كانت السعودية تعتبر أن سبب «الفيتو» على إيران يعود الى أنها «هي التي تقف وراء الحرب وأن مَن يكون شريكاً بالدمار لن يكون شريكاً بالإعمار»، كما روّج. في هذا الوقت يقول مسؤولون يمنيون كبار من فريق منصور هادي خلال المباحثات الأخيرة التي سبقت سفر اسماعيل ولد الشيخ الى إيران أنه «اذا ارادت طهران أن تنتقل من ضفة «رعاية» الحرب الى ضفة «المشاركة بالحلول» فبالتاكيد مرحّب بها».
اهم مؤشر على تطور نوعي باتجاه حرب اليمن وحلحلتها هو ان المبعوث الأممي لاول مرة يزور إيران يضاف اليه مؤشران آخران: اولهما ان السعودية بدأت تتحدث عما يعني «الحصار» وهو تسليم مطار صنعاء وميناء الحديدة الى طرف ثالث. والمرجّح ان تكون قوات عمانية بعد ان زار اسماعيل ولد الشيخ في وقت سابق سلطنة عمان، لتصبح السلطنة «الوسيط» ما بين إيران والسعودية. وهو الوسيط الذي يتمتع بعلاقة طيبة بين إيران والولايات المتحدة.
الاشارات المتسارعة التي ترسلها السعودية والتي توحي بانفراج ما على خط نسج خيوط تعاون مع الإيرانيين من اجل الحلول في سورية واليمن تتزايد مع تقدم الساعات التي توازي تقدماً ميدانياً متتالياً صار وازناً للجيش السوري وحلفائه، وصار ستاتيكو لافتاً للحوثيين وحلفائهم في اليمن. وهذا بالنسبة للأميركيين احد اكبر اسباب الانعطافة نحو التعاون مع روسيا بالحل في المنطقة كشريك أول من دون التوقف عند حسابات لن تؤدي الا الى المزيد من غرق حلفائها في المنطقة.
تفرض إيران حضورها في الحل السياسي اليمني كضرورة اليوم للسعودية التي تدرك تماماً ان الحرب اليمنية هي أكثر ما يعنيها لوقوعها على حدودها الأقرب جغرافياً. ومع اقتراب وضع الحرب اوزراها تصبح سورية أبعد ما يكون عن الحساب السعودي الذي بات محكوماً بالتنصل الأميركي من مشاريع كبرى كان أبرزها التخلص من الرئيس السوري بشار الاسد يليها القضاء الكامل على الحوثيين، رغبة في اضعاف إيران وحماية الامن «الاسرائيلي» الممتد حتى السواحل اليمنية بالحسابات الأمنية الأميركية «الاسرائيلية» المشتركة.
وعلى هذا الأساس تبدو الطاولة اليمنية مؤشراً قادراً على تحريك الركود السياسي مع إيران والأقدر على تسريع الحل في سورية وانجاحه، فيصبح التعاون السعودي الإيراني في سورية ولو جاء عبر الامم المتحدة «مبرراً» فعالا لتعاون سعودي إيراني في سورية، بحيث تتفق الرياض على اخراج مناسب لمجموعاتها المسلحة على الأرض وللمعارضة السورية التي بدأت بتحضيرها معنوياً لفكرة أن «الأسد» باقٍ في السلطة وأن الحل هو ضمن هذا المفهوم.
تكتب اليمن اولى محاولات التعاون السعودي الإيراني بحذر مع آمال تتوسّع حول المزيد من مؤشرات التقارب السعودي الإيراني، بين مصافحة حارة للجبير وظريف الى عودة التنسيق لموسم الحج بين الطرفين وعودة الحجاج الإيرانيين بعد غياب الموسم الماضي.
هكذا فرضت إيران حضوراً سياسياً وازناً ودخلت في رسم الهوية السياسية لملفات المنطقة الأكثر تعقيداً في المرحلة المقبلة.