– لا يبدو المشهد الدولي مبشّراً بالخير، طالما أنّ القيادة السياسية لدول فاعلة وحاكمة تعيش بغربة عن الواقع. فالدولة العظمى الممسكة بالدفة السياسية والاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، يتربّع على رأسها عنصري أبيض يتحدّث بلغة تتحمّل مسؤولية إنتاج المزيد من التصدّع في جدار العلاقات الإنسانية بين الأعراق والألوان والأديان، وفي أوروبا حيث ينمو التطرفان الإسلامي الأسمر اللون والبشرة، ومقابله التطرف المسيحي الأبيض والأشقر، وتصير العيون السوداء والعيون الزرقاء معياراً للانتماء والهوية ولاحقاً للموت، تحكم قيادات سياسية متردّدة تجامل العلاقات بالحكومات الخليجية مصدّرة التطرف والتكفير من جهة وبالتطرف اليميني في بلادها بحسابات انتخابية، وتتمّ تحت أعينها مشاهد التعبئة المتقابلة لحرب أهلية لا تبقي ولا تَذَر، وهي تتحوّل مع أجهزتها الأمنية إلى جهاز إحصاء للضحايا وتنديد بالجريمة، وفي الدول الإسلامية الغنية والقادرة يتوزّع مركز الحكم بين راعٍ للوهابية منشأ مدارس التكفير في السعودية، ومرجعية الإخوان المسلمين بين أنقرة والدوحة، حيث الإعلام والمال والفتاوى والمساجد تتحوّل مدارس لتخريج المزيد من الإرهابيين، وفي الدول الفقيرة والمتوسطة الحال، حروب تحت الرماد تمسك بالسلطة حكومات لا تملك في أغلبها حلولاً لمشاكل الاستقلال الوطني ولا وقوفاً على خط القضايا الكبرى وفي مقدّمتها فلسطين، ولا خطط تنمية ومكافحة للفقر والجهل، وتمنح الأولوية للإمساك بالأمن، فتنزح منها ألوف نحو سواحل الغرب بحثاً عن حياة أفضل بداية، لتصير تحت ضغط الاستقطاب العنصري لاحقاً وقوداً للحرب الآتية.
– لم يعُد ممكناً حصر البحث بالأمن العالمي بمصير داعش والنصرة وتنظيم القاعدة في سورية ولبنان والعراق وأفغانستان ومصر وليبيا، فقد تحوّل العالم كله ساحة حرب مفتوحة، لا يتقابل فيها جيش مع جيش، أو أمن مع إرهاب، بل يقوم متطرف أبيض بقتل الناس العاديين الأبرياء الطيبين من السود أو المسلمين، ومقابله يقوم متطرف أسمر مسلم بقتل الناس الطيبين البسطاء من ذوي العيون الزرقاء. وهذه الحرب الظالمة بوجهيها، ضحاياها هم الناس بكلّ ما تتسع له الكلمة من معانٍ وأبعاد. وفي هذه الحرب وحدهم العنصريون والتكفيريون يحتفلون بتبادل أنخاب دماء الضحايا بنصرهم، المتمثل باستيعاب موجات جديدة من الغاضبين من أبناء جلدتهم وتطويعهم جنوداً جدداً في حربهم الظالمة، فكلّ عملية قتل لأبرياء على يد تكفيري من داعش والقاعدة تضخّ العشرات والمئات من المسيحيين البيض في أوروبا وأميركا إلى صفوف النازيين الجدد والعنصريين. وكلّ عملية قتل تستهدف المسلمين والسود في بريطانيا وأميركا تضخ المئات والآلاف إلى صفوف القاعدة ومريديها ومؤيديها والمحتفلين بفرح بعملياتها الإجرامية.
– يتحوّل العالم مسرحاً درامياً مرّ الطعم والمذاق، الضحايا يقتلون الضحايا، بالتفافهم حول القتلة وتأييدهم، واحتفالهم فرحاً بوقوع الجريمة بحق الأبرياء واعتبارها انتقاماً لضحايا جريمة مماثلة وقعت بحق ضحايا آخرين، وما لم تحدث معجزة، يذهب العالم بأعين مفتوحة خلال سنوات قليلة لمرحلة أصعب وأعقد، سنشهد خلالها التسلّح المتقابل والفرز السكاني العفوي، بتفادي اللونين تشارك السكن والعمل في أماكن واحدة بحثاً عن الأمن والكرامة، وبعدها سيكون سهلاً رؤية إغلاق الأحياء ليلاً أمام اللون الآخر كعدو، ولاحقاً إغلاق الأحياء بوجه الشرطة لحساب أمن ذاتي متقابل، وسريان حمّى التسلح يتبعها ارتفاع متاريس متقابلة، لن تكون لا باريس ولا لندن ولا بروكسل ولا أمستردام ولا برلين ولا نيويورك وشيكاغو بمنأى عنها. وعندما تندلع شرارة هذه الحرب المفتوحة على الموت بلا حساب، سيستفيق الحكماء أنهم استقالوا من مهمتهم عندما كان النفاق سيد الموقف، تجاه ثقافة العنصرية البيضاء انتخابياً، وتجاه الوهابية والإخوانية لاعتبارات مصلحية ومالية، عساهم يدركون اليوم أنه ما لم يقع الحزم بمواجهة هذين التطرّفين الإثنين، وما لم ترتفع رايات الدولة المدنية العادلة والراعية والحامية، سيفيق الناس، كلّ الناس، في العالم، كلّ العالم، ليكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم حوّلوا هذا الكوكب الجميل مكاناً غير صالح للعيش.