عندما أعطى رئيس مجلس النواب نبيه بري توجيهاته لوزير حركة "أمل"-وزير الزراعة غازي زعيتر بوجوب زيارة دمشق وتلبية الدعوة التي وجهتها سوريا للمشاركة في معرضها الدولي، كان يعرف أهمية تلك الخطوة التي تصبّ في مصلحة اللبنانيين. يستذكر بري في مجالسه محطات عدة طلب فيها من الحكومة السورية عبر نائب كتلته قاسم هاشم بفتح دمشق الحدود امام المنتوجات الزراعية اللبنانية كالموز مثلا. كانت صرخة المزارعين تعلو عند اقفال الحدود وتزداد الخسائر التي يدفعها المزارع والتاجر والاقتصاد اللبناني. لكن سوريا كانت تلبي الطلبات فورا لتنقذ زراعات لبنان وانتاجاته.
لا تقتصر المصلحة اللبنانية بتنشيط العلاقة مع السوريين عند هذا الحد. الآتي أهم. خصوصا ان عواصم العالم تُرسل موفدين الى سوريا لاستشراف التعاون والدور المرتقب في اعادة الاعمار والاستثمار. من هنا تبدو مشاركة 23 شركة صينية في معرض دمشق اشارة لافتة. عدا عن رجال الاعمال والتجار والصناعيين الروس والارمن والايرانيين والبرازيليين والفرنسيين وغيرهم.
مجرد استطلاع بسيط على أرض معرض دمشق يُدرك المراقب أهمية تسويق صناعات لبنانية مثلا. يحكي أحد المشاركين اللبنانيين انهم حاولوا إيجاد مساحة اكبر للمشاركة في تسويق البضاعة المنتجة لبنانيا، لكنهم لم يوفقوا بسبب سباق المشاركين لحجز اماكن لهم في المعرض. أحد المشاركين نفسه يتحدث عن تنافس بين التجار السوريين لكسب وكالات للبضاعة اللبنانية وبيعها في سوريا. هذا المؤشر دليل واضح على استفادة لبنان من السوق السورية في المرحلة المقبلة. عدا عن الانتاج الزراعي من حمضيات وموز وبطاطا وزراعات اخرى. السوريون يضغطون على حكومتهم مثلاً لمنع الاعتماد على البطاطا المجلّدة في غير موسمها، بل الاستيراد من لبنان، لتحقيق توفير في الكلفة. ما يعني ان لبنان يحقق مكاسب من اعادة الروح للعلاقة مع دمشق، بعدما عادت سوريا عملياً وتدريجياً الى دورة حياتها الطبيعية. المكاسب لن يحصدها في لبنان مناصرو حركة "أمل" أو "حزب الله" أو "المردة"، بل ستُترجم عند المزارعين في عكار ثم البقاع ثم الجنوب وباقي المناطق. تلك المكاسب ستزداد بعد فتح معبر "نصيب" عند الحدود الأردنية-السورية الذي يُعتبر الرئة التي يتنفس من خلالها الانتاج اللبناني المُصدّر الى الخارج، بدل تحمُّل كلفات النقل البحري أو ضياع المواسم من دون القدرة على التصدير.
من هنا يأتي توجه حركة "أمل" و"حزب الله" و "المردة" لاعادة الدفء الى العلاقة مع سوريا، كما بدا من خلال زيارة وزرائهم الى معرض دمشق وتلبية الدعوة السورية الرسمية، لذلك صُنّفت الزيارة في الخانة "الانقاذية" للمصلحة اللبنانية.
تلك الخطوة "الانقاذية" تتزامن مع تغيير السلوك الدولي تجاه سوريا، لتكريس عملية الانتقال من زمن الحرب الى زمن التسويات والسلم. في الاسابيع الماضية سمع اللبنانيون كلاما صريحا من الأميركيين يفيد بقرب نهاية الازمة السورية، في ظل تبدّل التعاطي العربي والغربي مع وقائع الازمة السورية. فهل يتفرج اللبنانيون في زمن السباق الى دمشق؟ أم يسارعون للحصول على مكاسب زراعية وصناعية واقتصادية والتحضير كي يكون لبنان معبرا للعالم نحو سوريا؟ خصوصا ان اعادة النازحين تتطلب تنسيقا اجبارياً معها. اللبنانيون جربوا سنوات ما بين 2011 و2017. ماذا انتجت للبنان؟ لا صدى للمواقف السياسية الضيقة الافق بعد اليوم. المصلحة العامة اولوية.