توقف مراقبون عند أمر لافت جدا حصل في جلسة مجلس النواب التشريعية المسائية، حيث بدا، للمرة الأولى ربما، ان اُسلوب "صُدّق" لم يمر مرور الكرام، بعد اعتراض النائب احمد فتفت مرتين على طرح التصويت على قانون من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وكاد ان يمر، كما في حالات سابقة، لان النصاب لم يكن مكتملا.
وضع بري التصويت جانبا وتابع عرض البنود على المناقشة ريثما يكتمل النصاب، وطلب من الامين العام للمجلس النيابي عدنان ضاهر الاتصال بالنواب لتأمين النصاب، لكن هذا الامر كان متعذرا، مما دفع رئيس المجلس الى تأجيل الجلسة الى يومي الثلاثاء والاربعاء من الاسبوع المقبل.
وقال احد النواب الذي طلب عدم ذكر اسمه انه وبكل ضمير مرتاح يستطيع ان يؤكد ان هناك العديد من القوانين التي اقرت في السابق تم التصويت عليها في غياب النصاب القانوني، ومنها قوانين هامة.
ولاحظت مصادر نيابية "الخفّة" التي رافقت مداخلات عدد من النواب في معرض مناقشتهم القوانين المطروحة، الى جانب هزالة البنود. وقالت إنه في هذا الوقت الذي يعتبر من أكثر الأوقات دقة وصعوبة التي يمر بها البلد، يحتاج لبنان الى إقرار قوانين مهمة تتعلق بامور مالية واقتصادية، وانه على سبيل المثال كان في الإمكان إرجاء النظر في البحث في قانون اعلان يوم ذكرى للمجاعة، والبدء بمناقشة قانون ضمان الشيخوخة، وغيره من القوانين الملحة.
وأشارت الى ان مداخلات نواب الأمة في جلسة الاربعاء الماضي النيابية عكست التباين في امور اساسية، مثل دستور الطائف حيث كانت هناك مطالبة باحترام هذا الدستور، لكن وبسبب الممارسات الخاطئة خلال الأعوام الماضية، تم تجاوز هذا الامر في ما يخص وظائف الفئتين الثانية والثالثة واعتبارها ضمن التوزيع الطائفي، فيما الدستور نص فقط على الأخذ في الاعتبار وظائف الفئة الاولى فقط من الموظفين.
ولفتت الى ان التباين كان اكثر وضوحا عند مناقشة الهيئة العامة للمجلس اقتراح قانون إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي تعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية، وكان الفرز واضحا، فالنواب من المسيحيين يريدون اقرار الاقتراح كما أعدّه النائب في كتلة القوات اللبنانية إيلي كيروز، اي من دون تعديلات لجنة الادارة والعدل التي تجرّم المرتكب في حال المجامعة. اما النواب المسلمون فأرادوا الاكتفاء بالمادة 522 اي التي تتعلق حصرا بالاغتصاب، حيث تبين انه ممنوع المس بقانون الأحوال الشخصية، حتى ان النائب في كتلة الوفاء للمقاومة علي عمار قال إن "بعض الجمعيات تستهدف قانون الأحوال الشخصية، لذا بلا لف ودوران، فليتقدموا بتعديل دستوري، الا اننا لسنا مستعدين للتنازل انشا واحدا عنه".
ولاحظت المصادر النيابية الهوة الكبيرة بين اعضاء مجلس الأمة حول حقوق المواطنين المدنية في ما يتعلق بالتحقيقات التي تجريها الضابطة العدلية من جيش وقوى أمن الداخلي وأمن الدولة، عند طرح قانون يمنع أساليب التعذيب والمقدم من الناخب غسان مخيبر، وإستند المعارضون للقانون، وأغلبيتهم من الضباط المتقاعدين، الى المرحلة التي تمر بها البلاد، مشددين على ان التحقيقات مع التكفيريين والعملاء لا يمكن ان تتم "بالدلع"، الى درجة اعتبر فيها احد النواب ان "ضربة كف من الاجهزة للمتهمين" أمر ضروري.
وخلصت المصادر الى الاعتقاد بأن تحقيق نقلة نوعية في التشريع وفي انتقال لبنان من مرحلة النظام الطائفي الى مرحلة متقدمة لاعتبار الانسان اللبناني هو الأساس بعيدا عن إنتمائه الطائفي، لا يزال بعيد المنال، وان مواصلة هذا النهج سيظل يعرض لبنان الى أزمات حادة، كما يدل على ذلك تاريخ الأحداث التي عصفت بالبلاد منذ الإستقلال حتى يومنا هذا.