العقل البشري عاجز عن أن يتقبّل الجرائم الإرهابية وآخرها جريمة برشلونة، فأي بني آدم (هل المنفذ هو من أبناء آدم؟) يستطيع أن يقود شاحنة ويمشي فيها، بدم بارد، على جماعات من الناس الأبرياء في مسافة طويلة؟
أي مجرمون هم هؤلاء الإرهابيون الذين يزهقون الأرواح؟ أي أحجار في صدورهم بدلاً من القلوب؟ أي إسمنت صُبّ في رؤوسهم بدلاً من العقول؟ أيُّ وحوش لبستها جلودهم بدلاً من الناس؟ .
كيف يمكن لإنسان أن يستقل شاحنة ويمر في شارع عامر بالحياة، زاهٍ بالفرحة، حافل بالنشاط (...) فيتقصّد إزهاق أرواح الناس الأبرياء... الأبرياء قولاً وفعلاً... ممعناً فيهم قتلاً ودهساً ورهساً، من دون أي شفقة أو رحمة؟
الرحمة؟!. أين هي لدى هؤلاء الذين يعلّمهم الدين الحنيف أن من يقتل نفساً بغير نفس كمن يقتل الناس أجمعين؟.
الرحمة؟!. أينهم من الدين الحنيف الذي أرسل إلهه النبي العربي رحمة للعالمين؟!
الرحمة؟!. وقد أمر اللّه نبيه ليس فقط بها، بل ان يعفو عن الخصوم كذلك. فيقول له (آل عمران 159): »ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر (...)«.
وفي سورة الأنعام (الآية 147): »فإن كذّبوكَ فقل ربُّكُم ذو رحمة واسعة (...)«.
وفي الحجر (85-86) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلاّ بالحق وإنّ الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل«.
وفي فصلت (34) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم«. العدو كأنه ولي حميم فكم بالحري البريء: الطفل، المرأة، العجوز، العامل، الموظف، الفقير، الغني الخ...
إن هؤلاء المجرمين الإرهابيين كلهم شناعة، وأعمالهم كلها بشاعة، وأقبح ما فيهم وفي أعمالهم الإرهابية إنهم ينفذونها بإسم الدين. ومن نافل القول أن نردّد الآيات الكريمة حول »أقربهم الى الذين آمنوا....« وامتداداتها. ولكن ثمة آيات لا يمكن عدم التوقف عندها لما فيها من عِبرة ومن بعد إنساني ... وأكتفي هنا بهذه الآية الكريمة البليغة جداً والتي لو اتبعها المتاجرون بالدين لتوقفوا عن تجارتهم المهينة، ولو التزم بها رُعاة الإرهاب وايضاً الإرهابيون لما عرف العالم إرهاباً، ولو تمعّن فيها غلاة صراع الأديان لأوقفوا صراعاتهم التي لا يريدها اللّه وهو لا يُكْرِهُ أحداً على أمر... تقول هذه الآية الكريمة »... ولو شاء ربُّك لآمنَ مَنْ في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين« (يونس 99) ... وفي هذه الآية يخاطب اللّه الرسول... فإذا كان محرّماً (بموجب هذه الآية) على الرسول نفسه أن يُكره الناس في الإيمان... فهل يجوز لهذا أو ذاك من المجرمين، شذاذ الآفاق، الذين لا يفقهون، في الدين وعلومه شيئاً، أن يُكرهوا الناس... بل أبعد مدى أن يعدموا الناس بلا شفقة أو رحمة بدعوى أنهم ليسوا يلتقون معهم في الدين؟!.
إن الجريمة البشعة جداً في برشلونة، وقبلها الجريمة الفظيعة في كان، وقبلهما عشرات جرائم دهس الأبرياء الآمنين بالحافلات، إنما هي دليل قاطع على أن هؤلاء الفاعلين ليسوا بشراً إلاّ في المظهر أحياناً.