دأب بعض المفكرين والكتاب والمثقفين والمنظرين ومؤلفي الكتب وواضعي الدراسات في مراكز الأبحاث على وضع سيناريوهات ورؤى تحاكي خطط مواجهة أزمات المنطقة والولوج في طرق مواجهتها ووضع المقترحات والخطط الآيلة إلى كيفية إدارة الصراع مع أعداء المنطقة، وذلك من خلال بناء تحالفات ومحاور سياسية وعسكرية واقتصادية بهدف التصدي لمخططات أميركا وإسرائيل المنوي تنفيذها في المنطقة والهادفة إلى تمزيق الهوية العربية وتحويلها إلى مجموعة عصبيات وإثنيات وقوميات عرقية متصارعة ومتحاربة بشكل دائم، والتي التزم تنفيذها وتمويلها بعض دول النفط العربية بالتكافل والتضامن مع العدو الإسرائيلي.
اللافت في الأمر أن بعض الباحثين والمحللين السياسيين وبالأخص أولئك الذين يتم إبرازهم عبر بعض شاشات الفضائيات يصرون على الترويج لفكرة تطوير محور المقاومة بالدعوة لانصهار الهويات بالمحور المقاوم، غير عابئين بخصوصية الهوية العربية، أما البعض الآخر فقد ذهب أبعد من ذلك للقول: إن الحفاظ على الهوية العربية هو ضرب من ضروب الهبل، وإن من يريد الحفاظ على الهوية العربية كمن يريد التمسك بالهواء، ويستند في ذلك إلى أن العروبة أصبحت مجردة لا تمتلك مشروعاً سياسياً نهضوياً ولا قائداً يديرها ولا أمل منها، وأن الكلام عن العروبة أصبح كلاماً لا معنى له يعود للماضي المملوء بالفشل، وأن العصر هو عصر التخلي عن فكرة الهوية والذهاب نحو تنمية فكرة تجميع القوى والذوبان في محور المقاومة.
صحيح أن العروبة تعبر عباب أمواج عاتية وسط بحار هائجة نتيجة الانقسامات والتشرذم والمؤامرات التي ضربت معظم الوطن العربي، ما أفقد العروبة القدرة على بلورة مشروع نهضوي قومي، وخصوصاً بعد لجوء البعض إلى منطق تحصين الذات المناطقي بدل البحث عن تنمية وتشبيك الأمن الإقليمي عسكرياً واقتصادياً في مواجهة أعداء الأمة، فيما العدو الإسرائيلي استفاد من لحظة الضياع العربي وسط هذا البحر الهائج ليجد الأرضية المناسبة في تنفيذ محاولاته ومآربه لإلغاء الهوية العربية وطمس القضية الفلسطينية، والسعي لضرب كل حركات المقاومة وخصوصاً في ظل ارتهان معظم النظم العربية لإرادة أميركا واستهوان التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
وهنا نسأل من المستفيد ولمصلحة من يتم الترويج لفكرة تجاوز العروبة وتذويب الهوية العربية؟
إن التخلي عن الهوية العربية هو بمنزلة التخلي عن الأرض واللغة والثقافة والعادات والحضارة والجغرافيا والروابط المشتركة بين أبناء الأمة العربية، إضافة إلى محاولة طمس التاريخ المجيد للأمة العربية وخصوصاً أن العروبة تعتبر المأسسة ورأس حربة في مقاومة الانتداب والاحتلال وتحرير الأرض العربية منذ العهد العثماني وبعده الاستعمار الفرنسي والبريطاني وبعده العدوان الإسرائيلي، ولم تزل العروبة مستمرة في مقاومة الاحتلال من أجل تحرير الأرض العربية المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان حتى يومنا هذا.
إن التمسك بالعروبة وبالهوية العربية هو واجب فرض عين على كل عربي وهو أمر بغاية الأهمية لأنه يرسم معالم مستقبل أجيالنا وأوطاننا وتاريخنا.
إن مجرد القبول بانصهار العروبة والهوية العربية في لعبة المحاور هو ضرب من ضروب الجهل واستمرار مسلسل التأرجح والتيه الذي تعيشه الأمة العربية.
إن تماسك محور المقاومة بحاجة إلى الهوية العربية لأنها مظلة واسعة تقي من لهيب المذهبية والطائفية وهي المؤهلة لحماية كل الأديان والثقافات والأعراق والإثنيات كما أثبت تاريخ العروبة.
صحيح أن دولاً لها هويتها الإسلامية وثقافتها وإدارتها الخاصة دعمت ولم تزل تدعم محور المقاومة في مواجهة مخططات أعداء الأمة ولا نكران بهذا، والشكر والامتنان والعرفان بالجميل واجب كل من ينضوي أو يؤيد محور المقاومة، بيد أنه واجب على الجهات والدول الداعمة لمحور المقاومة عدم الترويج لفكرة تذويب الهويات والثقافات في محور المقاومة، كما يجب ترك المساحة الكافية واحترام الخصوصية والهوية والمعتقد لكل من ينضوي تحت لواء محور المقاومة.
إن الانتماء إلى محور المقاومة لا يعني محو أو إلغاء العروبة والهوية العربية، فالمحور المقاوم هو عبارة عن مجموعة هويات عربية وغير عربية وهي تنتمي إلى قوميات وثقافات متنوعة، لكنها تكاتفت وتضامنت وتوحدت في الأهداف والرؤى الإستراتيجية لمقاومة مشروع هادف للنيل من كل الهويات والقوى والقوميات والثقافات والحضارات التي تناهض الكيان الصهيوني وأولها الهوية العربية لما لها من تأثير وانتشار على كامل الخريطة العربية، فالتمسك بالهوية العربية هو الأساس وضرورة ملحة وجزء لا يتجزأ من تكامل محور المقاومة.
نحن من دون العروبة سنتحول إلى مجموعات طائفية وإثنية وعرقية، لن نستطيع معها تأسيس مشروع عروبي نهضوي قومي ينقذ الإنسان العربي من الركود والإحباط الفكري ويحمي الأمة من ويلات الأمواج الأميركية الغربية الإسرائيلية العاتية.
نقول إن عروبتنا هي فخرنا وعزّنا وهي رايتنا المرفوعة دائماً، وإن هدفنا وإستراتيجيتنا هي القومية العربية حتى بلوغنا الاتحاد العربي المتكامل أمنياً واقتصادياً أسوة بالاتحاد الأوروبي، أما باقي الهويات والقوميات المنخرطة معنا في محور المقاومة فهم حلفاء لنا ونحن العروبيون حلفاء لهم في السراء والضراء، ولن نرضى بأي شكل من الأشكال التخلي عن العروبة وهويتها لتذوب في أي محور كان حتى لو كان ذاك المحور هو محور المقاومة.
من لا خير فيه لهويته فلا خير فيه لوطنه، ومن ليس لديه خير لهويته ولوطنه فلن يكون عنده ذرة خير لحلفائه حتى وإن انتمى إلى محور المقاومة.