المتابع لمواقف القيادة السورية وتوجهاتها، وتحديداً تلك التي أطلقها الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية، لا يجد فيها اختلافاً ولا تناقضاً ولا تبدّلاً. فالثوابت هي الثوابت، غير أنّ ما ينبغي على المراقبين والمتابعين التوقف عنده، قدرة الرئيس الأسد على تثبيت المواقف في إطار رؤية للمرحلة المقبلة وأهداف واضحة، ومن على منصة مؤتمر تعقده وزارة الخارجية والمغتربين في مدينة دمشق، ويحضره إلى جانب المسؤولين في الخارجية، سفراء سورية المعتمدون في عشرات الدول.
وإذا كان من الصعب إجراء قراءة عميقة ومتأنية، تُجمِل ما انطوى عليه خطاب الرئيس الأسد أمام مؤتمر الدبلوماسية السورية، فلا بدّ من إحاطة سريعة بعناوين رئيسة تؤشر إلى أنّ سورية تشق الطريق واسعاً، للانتصار في معركتها ضدّ الإرهاب ورعاته.
في العناوين الرئيسة، أنّ الحرب الإرهابية على سورية، ليست فقط، لأنها رفضت الإملاءات الغربية واستمرّت على دعمها لقوى المقاومة، بل لموقعها الاستراتيجي، فـ «سورية هدف، ومَن يسيطر على هذا الهدف تكن له سيطرة كبيرة على القرار بالشرق الأوسط، ومن يسيطر على قرار الشرق الأوسط تكن له كلمة مهمّة ومؤثرة على الساحة الدولية». وحين يقول الرئيس الأسد هذا الكلام، يعني أنّ فشل الحرب الكونية لإسقاط الدولة السورية، هو فشل مشروع السيطرة على سورية، وأنّ مفاعيل الصمود السوري، قوّضت مشروع السيطرة والهيمنة على «الشرق الأوسط».
الرئيس الأسد لم يدّع تحقيق انتصار كامل على المشروع الإرهابي الذي يقوده الغرب وحلفاؤه، بل تحدّث عن فشل هذا المشروع، لكن في جوهر كلمة الأسد بدا واضحاً أنّ ما يتحدّث عنه، يؤشر الى انتصار مكتمل، خصوصاً عندما تحدّث عن انتصارات متتالية للجيش السوري والقوى الرديفة والحليفة، وحين جزم «لن يكون هناك تعاون أمني ولا فتح سفارات ولا دور لبعض الدول التي تقول إنها تسعى لحلّ إلا بعد أن تقوم بقطع علاقاتها بشكل صريح ولا لبس فيه مع الإرهاب».
اللافت أنه كلّما ارتفع منسوب الكلام عن مسارات سياسية لحلّ الأزمة السورية، تتوهّم الدول الغربية والإقليمية والعربية الراعية للإرهاب، أنّها ستعوّض فشلها في الميدان بتحقيق أهدافها في السياسة، وبأنّها تستطيع أن تكون جزءاً من مستقبل سورية عبر أدواتها وعملائها، لكن هذه الدول، اصطدمت بواقع أنّ مَن أطلقت عليهم تسمية معارضة، لا وزن تمثيليّ لهم، ولا قيمة سياسية وأخلاقية. لذا، جاء كلام الرئيس الأسد في هذا الخصوص، غاية في الوضوح، بأن أكد أنه ليس هناك فرص لأن يحقق أعداء سورية وخصومها في السياسة ما لم يستطيعوا تحقيقه في الحرب، ولا مكان للعملاء في مستقبل سورية.
ولأنّ سورية لا ترى في مشاركة تركيا في محادثات أستانة تغيّراً في دورها الداعم للإرهاب، فالرئيس الأسد أعلن صراحة أنّ رجب طيب «أردوغان يلعب دور المتسوّل السياسي بعد فضحه في دعم الإرهابيين ولا نعتبر الطرف التركي شريكاً ولا ضامناً ولا نثق به». ولم يفُت الرئيس الأسد التذكير بأنّ أحد أوجه المشروع الغربي «أن يحكم الإخوان المسلمون هذه المنطقة» بما يحقق المصالح الغربية، وأنّ «هذا هو دور الإخوان التاريخي»، وفي هذه الإشارة أراد الرئيس الأسد أن يعلن فشل الغرب في تنفيذ مخطط «حكم الإخوان».
وما هو لافت في خطاب الأسد، حرصه على شكر حلفاء سورية وتثبيت التحالف معهم، وهو حدّد وجهة سورية شرقاً، اقتصادياً وثقافياً، بعد أن تحدّث عن جنون عظمة غربي، وعن إخفاقات الغرب، مؤكداً أنّ سورية سيّدة قرارها، ونافياً أن تكون معزولة، لأنها تقيم علاقات مع عشرات الدول، ولها سفراء منتشرون في العالم.
في خطابه أمس، أعاد الرئيس بشار الأسد التأكيد والتشديد على المواقف السورية، بما يضع حداً لكلّ السيناريوات التي تتحدّث عن نفوذ لدول خارجية، وأدوار للعملاء والمتآمرين في صياغة مستقبل سورية.
وبدا الرئيس الأسد حاسماً بأنّ «جوهر الوطنية السورية هو العروبة بمعناها الحضاري»، وأن لا تفتيت ولا تقسيم. فوحدة الأراضي السورية غير قابلة للنقاش، وأنّ فلسطين أولوية، وأنّ الحرب على الإرهاب والتطرّف مستمرّة، وكلّ هذا لا يدع مجالاً للشك، بأنّ خطاب الأسد في مؤتمر الدبلوماسية السورية، يحمل في مضمونه، كلّ إشارات ومؤشرات الانتصار.