منذ أيام زار عضو الكونغرس الأميركي دارين لحود رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في قصر بعبدا برفقة زوجته، وبحضور السفيرة الأميركية في بيروت السيدة اليزابيث ريتشارد، وكان لقاء تناول فيه مجمل القضايا التي تعني البلدين في الظروف التي تمرّ فيها المنطقة، خصوصاً ما يتعلّق بمكافحة الإرهاب وملف النزوح السوري الذي أثقل كاهل لبنان. اللافت أن اللقاء جاء قبل أيام من انطلاق عملية جرود بعلبك «فجر الجرود» التي كانت منوطة بالجيش اللبناني حصراً، خلافاً لعملية جرود عرسال التي تولاها حزب الله فحدّد الجيش الساعة الصفر. وهو الأمر الذي تعرفه وتتوقعه واشنطن وحسبت شكل المعركة على أساس قدرات الجيش وتوقيته المنشود من اجل تحقيق انتصار أكيد.
لا يوفر خصوم حزب الله وآخرهم الوزير معين المرعبي الذي يمثل حقيبة النزوح «المستحدثة» فرصة التوضيح للأميركيين عن مخاطر نشاط حزب الله في سورية من أجل الاشارة الى مخاطر ذلك على لبنان بطريقة أو بأخرى، وفي ذلك استغلال لفتح ملف حزب الله عند اي مبعوث غربي يزور بيروت يلتقي به خصوم حزب الله المحليون حتى ولو لم يكن صلب جلسة المبعوثين هذا الموضوع. أما حزب الله فهو يعرف جيداً أن هناك جهداً محلياً قديماً جديداً يضغط من أجل فرض عقوبات مالية عليه.
تحذير الأميركيين من نشاط حزب الله في سورية يقابله أيضاً تحذيرهم من مغبة أن يكون هناك تنسيق بينه وبين الجيش اللبناني ومن ورائه الجيش السوري. وهي الأصوات التي فتحت الملف إعلامياً بالتوازي مع عملية فجر الجرود ما اضطر الجيش اللبناني إلى الخروج ببيان واضح يقول فيه أحد ضباطه الكبار إنه لا يوجد تنسيق مع أحد.
النائب الأميركي أتى الى بيروت ليؤكد على اهتمام أميركي مباشر بمسألة النزوح. وهي المشكلة نفسها التي تهتم بها اوروبا والعمل على إيجاد حل لا يجعل منهم خطراً على دول حوض البحر المتوسط جار على قدم وساق، بالتوازي مع البحث بمخارج لحل سياسي يكون بند مصير النازحين أساسياً في بنوده كل هذا مع عروض متتالية على المسؤولين اللبنانيين تتراوح بين اغراءات بتأمين هجرة وتسهيلات لعدد كبير من اللبنانيين، وصولاً لمبالغ مقابل التوطين ومخارج أخرى تشبه التوطين الأبعد مدى مقابل الاندماج المجتمع اللبناني نهائياً.
هذه الأمور أو المقترحات مرفوضة بالكامل بالنسبة للرئيس اللبناني العماد ميشال عون تماماً، كما رفضه لمسألة اطالة وجود الارهاب في الجرود. وعلى هذا الأساس أرخى اهتماماً مباشراً لإطلاق العملية التي افتتحها بنفسه من غرفة عمليات الجيش اللبناني فجر السبت 19 آب هذه العملية التي تحذر واشنطن بلسان عضو الكونغرس الذي زار لبنان من مغبة أن يتخللها تنسيق مع حزب الله، هي العملية التي ما كانت لتكون بدون مقدمات وضعها حزب الله والجيش السوري بيد الجيش اللبناني للمباشرة بعملية واضحة الأفق وانتصار محتوم. وهو الأمر الذي يشبه المستحيل بمعارك الدول «حدودياً». فالتنسيق غالباً ما يكون بأرفع مستوياته بحالات تسلل او مكافحة مخاطر من هذا النوع، فكيف بالحال بقتال الإرهاب الذي يجمع عليه العالم كله؟
الإجماع على قتال الإرهاب هو ما يتسلح به الأميركيون لتغطية سلسلة مواقف مزدوجة المعايير تخللت حرب العراق والتعاون غير المباشر بين خصوم أو أعداء من جهة وقتالهم أو قتال حلفائهم من جهة اخرى، في ما يتعلق بمصالح مباشرة لواشنطن. والمقصود هنا إيران فتتغاضى تماهياً مع مبدأ قتال الارهاب ولو شابه هو ايضاً «ملابسات». وعليه يؤكد مصدر عسكري رفيع المستوى بخصوص تسليح الجيش اللبناني «أن كل هذا السلاح الموجود اليوم بيد الجيش اللبناني هو بمعظمه سلاح أميركي وأود أن أوضح هنا انه تم تقديم سلاح بوفرة للجيش اللبناني، وكان هناك حرص على انجاز العملية بكل ما تطلبه من لوجستيات، لأن هناك قراراً أميركياً بعدم السماح لفتح لبنان أمام توتر أمني لا مصلحة لأحد فيه في هذه الأوقات». ويتابع المصدر الامني «صحيح ان تسليح الجيش من قبل الأميركيين مشروط، لكن ليس بهذه الحال، الشروط هي في مكان آخر وقتال الارهاب هو حاجة دولية».
هذا الكلام يعيد الى الازدواجية التي تشوب الموقف الأميركي الذي يعرف جيداً ان التنسيق بين حزب الله والجيش اللبناني هو تنسيق قديم. وواشنطن المشرفة على ولادة حكومات لبنان تدرك تماماً ما هو شرط كل تلك الولادات المتعلق بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة في البيان الوزاري. وهو الذي يشكل تركيبة لبنان وروحيته، تعرف واشنطن جيداً ان هناك وزراء لحزب الله في الحكومة اللبنانية وتنسيقاً مع حلفائها فيها، بل وصفقات تتم بين الاطراف مجتمعة لرسم المشهد الحكومي.
تعرف واشنطن ايضاً ان التنسيق بين حزب الله والجيش اللبناني واليونفيل في الجنوب هو قديم عمره من عمر الاحتلال «الإسرائيلي» لجنوب لبنان ووصول قوات الطوارئ وان التنسيق لا يتوقف على الجيش اللبناني، بل على قادة كبار في قوات الأمم المتحدة.
انها واشنطن التي تعرف كل شيء عن التنسيق بين حزب الله والجيش اللبناني و«تتجاهل» لعجزها عن تخطي بعض المعادلات التي فرض فيها الحزب في لبنان، كإيران في العراق، حضوراً لا يمكن استبعاده.