– عاشت سورية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مرحلة البحث عن مكانتها الدولية والإقليمية منعاً لاستفرادها تحت شعار تصفية التركة السوفياتية، ونجحت بتشبيك علاقاتها مع كثير من بلاد الغرب، وتحرّرت من عقدة اعتبار ابتعادها عن الغرب نتاجاً عقائدياً لصداقتها مع الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، وتبنّيها سياسات وطنية تحرّرية، ومنحت الغرب فرص إثبات أهلية الصداقة مع سورية واحترام حقها بممارسة استقلالها الوطني، فكانت شريكاً مع الأميركيين في حرب تحرير الكويت، وشاركت في مؤتمر مدريد للسلام، وكانت الراعي الثاني لاتفاق الطائف اللبناني مع السعودية حيث كان الأميركيون الراعي الثالث غير المعلن، وانخرطت في مباحثات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وسعت لصداقات مع عدد من الدول الأشدّ اهتماماً بالبلاد العربية، خصوصاً فرنسا وأسبانيا.
– خلال أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وقفت سورية موقفاً إنسانياً وأخلاقياً وتضامنت مع واشنطن ودعتها لقيادة تحالف عالمي صادق لمحاربة الإرهاب يقوم على تعريف للإرهاب لا يستثني «إسرائيل» ولا يشمل المقاومة، وإلا خاضت حروباً استعمارية ستغذّي الإرهاب، وتزيد الأزمات العالمية، وقبيل حرب العراق خاضت سورية بلسان الرئيس بشار الأسد معارك فكرية لإقناع الأميركيين وحلفائهم بلا جدوى الرهان على الحدود اللامتناهية للقوة العسكرية في صناعة السياسة، وخطورة العبث بالنسيج الوطني للكيانات العربية أملاً بإضعافها وخدمة لأمن «إسرائيل». وقال الرئيس الأسد هذا الكلام بوضوح للمبعوث الأميركي وليم بيرنز الذي زاره في تشرين الثاني عام 2002، كما قاله علناً في كلمته في قمة شرم الشيخ العربية قبيل الغزو الأميركي للعراق، لكن الأميركيين كانوا قد ركبوا رؤوسهم وخاضوا مغامرة الحرب.
– بعد غزو العراق تشهد جلسة وزير الخارجية الأميركي كولن باول مع الرئيس السوري تتمة السعي السوري لإقناع الأميركيين بخطأ رهاناتهم، ودعوتهم لاختصار زمن الاحتلال وترك الأمر للعراقيين ليقرّروا نظامهم وشكل الحكم لبلدهم، وإلا سيواجهون مقاومة ويستدرجون حضور الإرهاب ويعترفون بالفشل، بينما كانت الغطرسة الأميركية تتمثل بلائحة شروط يحملها باول للرئيس الأسد تتضمّن إنهاء علاقته بخيار المقاومة كي لا تكون سورية على لائحة الاستهداف.
– الحرب التي استهدفت سورية، وصنع خلالها الإعلام المموّل من الغرب أو المموّل من الخليج وتديره الاستخبارات الغربية من حثالة الناس زعماء وأسماهم معارضين، فجمع المرتزقة والطفيليين وأسماهم معارضة وشكّل لهم جبهات ومؤتمرات، ونظمت خلالها أضخم عملية غسل أدمغة لتصوير الإرهاب ثورة، وتشويه صورة الدولة السورية وجيشها ورئيسها، لم يمتنع الغرب عن حصار الشعب السوري بداعي الضغط لإسقاط نظام الحكم وهو يريد فعلياً إسقاط الدولة والوطن، والغرب يعلم أنه يرتكب جريمة بحق الأخلاق والإنسانية، من دون أن يرفّ له جفن، ويكذب ويؤلف الحكايات ويصنع الاتهامات ويشوّه السير وينال من الكرامات والمقامات، فهل يكفي تغيير المواقف بسبب العجز أو الهزيمة؟
– الرئيس بشار الأسد في خطابه أمس وضع الحساب السياسي جانباً، وانطلق من مكان آخر، داعياً السوريين للنظر نحو الشرق الذي وقف مع سورية ولم يخذْله، وكان أخلاقياً ومضحّياً وبلا مقابل أو شروط، وشكل أحد ركائز نصرها. الخيار نحو الشرق يجب أن يكون استراتيجياً لا سياسياً، وفقاً لخطاب الرئيس الأسد، اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وعسكرياً، فتلك منظومات قيم تشبه قيمنا، حيث الاستقلال قيمة، والكرامة قيمة، والأخلاق قيمة، والشهامة والنخوة قيمة، ونصرة المظلوم والملهوف قيمة، ووقفة العزّ قيمة، والوفاء قيمة، والصدق قيمة، وحيث المصالح مع الشرق تسند القيم، صناعة وزراعة وتجارة وعمراناً، والثقافة تسند المصالح والقيم، فإلى الشرق دُرْ، عنوان المستقبل…