في هذا البلد من القوى والشخصيات من لا يريد أن يكون للبنان تاريخ. بلد بلا تاريخ، بلا ذاكرة، بلا إرث ثقافي وجغرافي. يقول هذا البعض الممتلئ غروراً وتكبّراً: ما لنا ولسورية؟ نحن بلد مستقلّ، وعلاقتنا مع الزمن مرتبطة بالمصالح، والمصالح هي الغرب وموازين القوى، ومَنْ يجب أن نتعاون معه فهو الغرب لأنّه الواقع والمستقبل والقوة!
الحق يُقال: إنّ هؤلاء يكرهون التاريخ، لأنّ التاريخ يعني أنّ لبنان وسورية بلد واحد، وشعب واحد، ومصير واحد، ومستقبل واحد. يكرهون التاريخ لأنّ التاريخ يقول بوجوب التعاون والتنسيق بين لبنان وسورية، وهذا ما لا يريدونه على الإطلاق. هذا البعض سارع مع الأزمة السورية إلى القطيعة، إلى العداوة، إلى توتير العلاقة وتأزيمها سياسياً واقتصادياً ومذهبياً. وهذا البعض بعد سبع سنوات من الأزمة لا يريد أيّ نوع من أنواع التنسيق والتفاهم والحوار والتعاون بين الجيشين السوري واللبناني، حتى لو كانت هناك مصلحة لبنانية أكيدة من وراء ذلك. هذا البعض يشكك في هوية
الجغرافيا بين الدولتين. يشكك بجدوى التعاون. يُقوم بكلّ العراقيل والمضايقات لئلا يحصل هذا النوع من الربط الذي يعيد أهل المنطقة إلى حاضنة الوحدة والأخوة في مشروع تكاملي حضاري واحد.
على كلّ حال مَن عمل خلال الأيام الماضية على منع التنسيق بين الجيش السوري واللبناني، في عملية تحرير ما تبقى من الجرود الشرقية، بخداع وألاعيب سياسية وإعلامية لن يحصد إلا الخيبة. لأنّ قوة التاريخ والجغرافيا أقوى من قوة المصالح المستجدّة والفوقية وتسلّط الأمم الكبرى. الشعب في لبنان وسورية يعتز بتاريخه الأصيل، ويستمدّ ثقافته وقوته من العلاقة الأخوية الموغلة في القدم والمتطلعة على الدوام إلى الغد.
إنّه وبقدر ما يوجد من مساحات للخراب والفتنة وقصور الوعي، فإنّه في المقابل توجد مساحات للأمل وللوحدة والتضامن والوعي والأصالة.
لكلّ هؤلاء المراهنين على تقسيم الأرض والشعب وإلغاء التاريخ، نقول: العلاقة بين لبنان وسورية ستتعمّق أكثر فأكثر، والموانع الجغرافية المصطنعة ستتحطّم، والمشروع الأميركي «الإسرائيلي» سيحترق، واللبنانيون والسوريون سيخرجون من جحيم الفتن والصراعات والأزمات أكثر قوة ومنعة ووحدة وتضامناً وشراكة في المقاومة والعيش والكرامة.