لم يكن تفجير الوضع الأمني في مخيّم عين الحلوة عبثياً، ولا بريئاً، بل ثبت أنّه استباقي لإعلان الجيش اللبناني إطلاق عملية "فجر الجرود" ضد إرهابيي "داعش" في جرود رأس بعلبك والقاع، التي تزامنت مع إطلاق الجيش السوري و"حزب الله" عملية "وإنْ عدتم عدنا" ضد المجموعات الإرهابية ذاتها في القلمون.
وخير تأكيد على ذلك، هو الاتصال الذي أجراه أمير "جبهة النصرة" أبو مالك التلي بالمطلوب شادي المولوي، المتواجد داخل مخيّم عين الحلوة، طالباً منه "التحضير لعمل ما".
التحضير لعمل ما، ليس بالضرورة أنْ يكون نطاقه محصور في جغرافية مخيّم عين الحلوة، بل ربما إلى خارجه، وتحريك الخلايا النائمة لاستهداف الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية ومرافق عامة وتجمّعات شعبية، وهو ما كشفت النقاب عنه الأجهزة الأمنية اللبنانية، في "العمليات الاستباقية" التي قامت بها، وفي طليعتها توقيف الأمن العام اللبناني لمدبّر "عمليات رمضان الإرهابية" خالد مسعد "السيد" من داخل مخيّم عين الحلوة، بالتنسيق مع الفصائل والقوى الفلسطينية في المخيّم (1 تموز 2017)، وقبله توقيف أمير "داعش" في لبنان عماد ياسين عقل بعملية أمنية نوعية قامت بها "وحدة النخبة" في الجيش اللبناني (22 أيلول 2016)، من منطقة تعمير عين الحلوة - مخيّم الطوارئ.
ومع كل جولة عنف واشتباكات، تتسارع وتيرة الاتصالات واللقاء لوقف إطلاق النار، وتشكيل لجنة للتأكد من ذلك، وسحب المسلّحين من الشوارع، مع التمنّي بأنْ يكون ذلك إلى الأماكن التي كانوا فيها سابقاً، واعتبار منفّذي الاعتداءات مطلوبين، وعودة الأهالي.
لكن، بين الحين والآخر يعود التوتير، وكل وقف لإطلاق النار يكون بحاجة إلى اتفاق، لأنّ هناك مَنْ يرى أنّ الفرصة مؤاتية، وقد تكون الأخيرة لمَنْ يدورون في فلك "داعش"، لأنْ تشملهم أي صفقة مع الدولة اللبنانية، بعدما رفض المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ذلك خلال التفاوض مع "جبهة النصرة" قبل الرحيل عن جرود عرسال.
افتعال الإشكالات والتوتير، خاصة في المنطقة التي تتواجد فيها "مجموعة بلال بدر" في "حي الطيري" والدائرين في فلكه، تجد مَنْ يدعمها بشكل علني، من مجموعات إسلامية لا تلتقي وإياها إلا بالمصلحة، وأخرى بوسائل متعدّدة، بشكل غير علني، وتؤمّن التغطية السياسية، والدعم المادي والعتادي والتغذية.
لم يعد أبناء مخيّم عين الحلوة، الذين أصبحوا يعيشون تحت رحمة قلّة ممَّنْ تنفّذ مخطّطات، ربما تدري أبعادها أو لا تعلم خلفياتها، بل يغرّر بها، يرتضون أنْ يبقوا يدفعون الضريبة ضحايا وجرحى وتدميراً ونزوحاً.
وكذلك مع الجوار، الذي أثّرت هذه الاشتباكات عليه سلباً، وإصابة مدينة صيدا والجوار، بشلل اقتصادي، مع حذر في الحركة، وتفضيل العديد من المواطنين تجنّب التوجّه إلى "عاصمة الجنوب".
كل ما هو مطلوب حل جذري لمثل هذه التجاوزات، ويكون ذلك بحسم الفصائل والقوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية لموقفها، وعدم اعتبار أنّ المعركة هي بين حركة "فتح" و"قوّات الأمن الوطني الفلسطيني" من جهة، والمجموعات الإسلامية المتشدّدة من جهة ثانية، لأنّ "القوّة المشتركة" التي استُهدِفَتْ أكثر من مرّة، تشارك فيها فصائل "منظّمة التحرير الفلسطينية"، "تحالف القوى الفلسطينية"، "القوى الإسلامية" و"أنصار الله".
وهناك أكثر من صيغة لوضع حدّ لمحاولات هذه المجموعات التوتير، ومنها ما جرى التعامل معه في حالات مشابهة سابقاً، قبل انتهاء مسمياتها.
وأمس (الإثنين)، شهد المخيّم خرق "مجموعة بلال بدر" لاتفاق وقف إطلاق النار الثاني، الذي توصّلت إليه القيادة السياسية الفلسطينية، اعتباراً من الساعة الثالثة من بعد الظهر.
واشتدّت حدّة الاشتباكات التي استُخدِمَتْ فيها قذائف الهاون والـ"آر.بي.جي" والأسلحة الرشّاشة المتوسّطة والقنابل، فضلاً عن القنص.
وأدّى سقوط القذائف إلى إصابة منازل، احترق بعضها ما أدّى إلى ارتفاع سحب الدخان.
وتعود المنازل التي تضرّرت إلى كل من: أبو علي شحادة (الراس الأحمر، واحتراق بالكامل، بعدما كان قد احترق خلال اشتباكات نيسان الماضي)، نبيل شريدة وأبو نسيم شريدة (حي الصفصاف)، آل حجاج وأبو قاسم شمالي وأبو علي الخطيب (عرب زبيد)، أبو موسى الصاوي (الشارع الفوقاني، واحترق بالكامل) وبناية أبو جلال (البركسات).
وليلاً عُقِدَ اجتماع في منزل المسؤول في "عصبة الأنصار الإسلامية" الشيخ أبو طارق السعدي في الشارع التحتاني لمخيّم عين الحلوة، بعد اتصالات مع القيادات اللبنانية والفلسطينية.
وشارك في الاجتماع رئيس "الحركة الإسلامية المجاهدة" الشيخ جمال خطاب وممثّلون عن الفصائل والقوى الفلسطينية، تمّ خلاله التوصّل إلى وقف إطلاق النار، وسحب المسلّحين من الشوارع.
وبعد الإعلان عن الاتفاق، سُجّل اعتباراً من التاسعة وواحد وأربعين دقيقة خرق للاتفاق.
وتمكّن عناصر من "قوّات الأمن الوطني الفلسطيني" الوصول إلى محيط منزل بلال بدر في "حي الطيري" ورفعوا رايات "العاصفة" على منازل مجاورة.
ووصل عدد من الجرحى جرّاء الاشتباكات إلى خمسة، حيث نقل الفلسطيني نضال الدنان (مرافق قائد "قوات الأمن الوطني الفلسطيني" في لبنان اللواء صبحي أبو عرب)، إيهاب الرفاعي وأبو خليل غزاوي، إلى "مستشفى الهمشري" - المية ومية - صيدا و"الراعي".
كما أُصيب عز الدين أبو داود الملقب بـ"عزو ضبايا" (وهو أحد المقرّبين من بدر) ونُقِلَ إلى "مستشفى الهمشري» قبل أنْ يُنقل إلى "مستشفى الراعي" لخطورة اصابته.
وتجاوز الرصاص حدود المخيّم، وصولاً إلى مناطق سيروب، درب السيم، الفيلات، الأوتوستراد المحاذي للمخيّم من الجهة الغربية، وحي البعاصيري في صيدا، حيث أُصيب المواطن رياض حشيشو برصاصة طائشة أثناء تواجده في منزله.
وليلاً أيضاً، أوقفت "القوّة المشتركة" وليد الحسين الذي ينتمي إلى "مجموعة بدر" وقامت بتسليمه إلى مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب.
في غضون ذلك، استمرّت حالة نزوح الأهالي من أحياء: الطيري، الصفصاف، الرأس الأحمر، طيطبا وبستان القدس، بعد وصول الرصاص الطائش إليها.
وأصدرت وكالة "الأونروا" تعميماً إلى موظّفيها العاملين في مكاتبها داخل مخيّم عين الحلوة طلبت فيه منهم "عدم التجوّل في المخيّم بسبب الاشتباكات العنيفة الدائرة والابتعاد عن الشرفات والنوافذ".
إلى ذلك، جال أمين سر "المبادرة الشعبية" في مخيّم عين الحلوة وأمين سر اللجنة الشعبية في حيّ صفورية جهاد موعد، مع أبنائه في شوارع المخيّم، وهم يرفعون لافتات يحملون فيها على العابثين بأمن المخيّم.
ودأب موعد على القيام بمثل هذه المبادرات خلال الاشتباكات، على الرغم من خطورة ذلك.
من جهته، لم يستبعد إمام "مسجد القدس" في صيدا ماهر حمود أنْ "يكون هدف الاشتباكات في مخيّم عين الحلوة التغطية على معركة تحرير الجرود، لكن لا يمكن أن نعطي الاثبات الكامل على هذا الموضوع".
وأشار إلى أنّ "معركة نيسان تكرّرت، والأمر كان بحاجة إلى حسم سريع، وهذا الأمر لم يحصل"، مشدِّداً على أنّ "موضوع ضرب الارهاب يحتاج إلى عمل أمني حقيقي لا إلى عمل عسكري، لأنّ العمل العسكري يؤذي المجتمع ككل، هذا العمل الأمني يحتاج إلى ظروف معينة ليست موجودة عند جميع المنظّمات الفلسطينية".