في إطار التحولات التي تسيطر على السياسة التركية الخارجية في الفترة الأخيرة، جاء إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان، أول من أمس، عن إحتمال قيام بلاده مع الجمهورية الإسلامية في إيران بعملية مشتركة ضد جماعات كردية، رداً على سؤال بشأن وجود خطة تركية للقيام بعملية ضد حزب "العمال الكردستاني" في جبال قنديل وسنجار في العراق.
وعلى الرغم من أن هذا الموقف قد يكون مفاجئاً بالنسبة إلى الكثيرين، الا انه يكتسب أهميته من أنه يأتي بعد أيام من الزيارة التي قام بها رئيس أركان القوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري إلى تركيا، في حين من المتوقع أن يزور رئيس أركان الجيش التركي خلوصي اكار طهران قريباً لاستكمال المباحثات.
في هذا السياق، ينبغي التأكيد بأن هناك نظرة مشتركة بين طهران وأنقرة للملف الكردي، سواء كان ذلك في سوريا أو العراق، نظراً إلى أن الجانبين يخشيان من أي تداعيات على أوضاعهما الداخلية، فتركيا تعيش منذ أشهر طويلة مواجهات مع عناصر حزب "العمال الكردستاني"، في حين أن "حزب الحياة الحرة الكردستاني" أقدم على قتل اثنين من حرس الحدود الإيراني، في عملية حصلت عند الحدود التركية في نهاية شهر أيار الماضي.
تركيا والموقف الأميركي
في خلفيات هذا الموقف، يشير الكاتب والمحلل السياسي التونسي المقيم في اسطنبول ابراهيم بو عزي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أحد أبرز الأسباب التي دفعت أردوغان إلى إعلان هذا التوجه هو الدعم الأميركي المتواصل لحزب "الإتحاد الديمقراطي" السوري، الذي يُعتبر الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني"، بالرغم من أن أنقرة تعتبر حليفة لها في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وفي حلف شمال الأطلسي، ويذكر بأن الحكومة التركية سبق لها أن حذرت من إنتقال السلاح الذي تزود به واشنطن الأكراد إلى أراضيها، لكنه يلفت إلى أن الجانب الأميركي غير مهتم في تقديم الضمانات، خصوصاً بعد أن قرر الدخول في معركة تحرير الرقة من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي بالتعاون مع الأكراد.
ويوضح بو عزي أن هناك قناعة لدى أنقرة بأن المشروع الكردي مدعوم من قبل الولايات المتحدة، وهذا الأمر لا يزعج تركيا فقط بل أيضاً العراق وسوريا وإيران، ما دفع الدولتين الإقليميتين إلى البحث عن فرص التعاون والتنسيق، مع العلم أن ذلك ليس بالجديد حيث تبادل المعلومات الإستخبارية بينهما قائم منذ سنوات، لكن اليوم ما يبحث هو القيام بعملية برية مشتركة.
من جانبه، يشير الكاتب والمحلل السياسي الإيراني حسن هاني زاده، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن تصريحات أردوغان جاءت بعد الزيارة التي قام بها رئيس الأركان الإيراني إلى أنقرة، ويلفت إلى أهمية التنسيق الأمني والعسكري بين الجانبين نظراً إلى أنهما يواجهان خطر مجموعات إنفصالية تريد الإضرار بمصالحهما.
ويوضح زاده أن هناك خشية لدى كل من الحكومتين التركية والإيرانية من الإستفتاء المزمع إجراءه في إقليم كردستان العراق، لا سيما أن هذا الأمر قد يدفع المجموعات الإنفصالية في أنقرة وطهران إلى تصعيد العمليات التي تقوم بها، ويعتبر أن هذا الواقع يطلب تنسيقاً لإتخاذ مواقف مشتركة على المستوى السياسي.
هل يشمل التعاون سوريا؟
هذا التطور على مستوى التعاون والتنسيق بين البلدين، يفتح الباب أمام إمكانية حصوله أيضاً على مستوى الأزمة السورية، لا سيما أن المشروع الكردي هناك يتعاظم يوماً بعد آخر بدعم مباشر من الولايات المتحدة، كما أن أنقرة لديها هواجسها من سيطرة عناصر جبهة "النصرة" الإرهابية على أغلب محافظة ادلب، وتطمح إلى القيام بعملية عسكرية من أجل تحويلها إلى منطقة آمنة، في إطار ما تم الإتفاق عليه في مؤتمر الأستانة حول مناطق تخفيف التصعيد، حيث كشفت صحيفة "يني شفق"، المقربة من دوائر القرار في أنقرة، أمس، عن محاولات تقوم بها بلادها لتجنيب المحافظة عملية عسكرية، عبر مقترح يتضمن تشكيل هيئة إدارة مدنية تتكفل في إدارة شؤونها، بالإضافة إلى تحويل العناصر المسلحة إلى جهاز شرطة رسمي يتكفل بحفظ الأمن، وحل هيئة "تحرير الشام" بشكل كامل.
حول هذا الموضوع، يشير بوعزي إلى أنه في مباحثات أستانة تجلس تركيا مع روسيا وإيران، وتم التوصل لعدة إتفاقات متعلقة بوقف إطلاق النار في أكثر من منطقة سورية، بالرغم من الخروقات التي تحصل من أكثر من جهة، لكنه يوضح أن مسألة ادلب متعلقة إلى حد بعيد بأنها باتت تجمع الكثير من فصائل المعارضة المسلحة والمدنيين، والخشية اليوم هي من حصول مجزرة فيها، في حين أن أنقرة تريد منطقة آمنة في الشمال السوري لوقف سيل النازحين نحو أراضيها، ويلفت إلى أن الأشكالية الحقيقة هي وجود هيئة "تحرير الشام"، إلا أنه لا يستبعد إمكانية حصول بعض الصفقات من تحت الطاولة.
من جانبه، يشير زاده إلى أن من الممكن أن تكون الحكومة التركية في طور تغيير موقفها من الأزمة السورية، من أجل التعاون مع طهران ودمشق، لا سيما مع تعاظم دور حزب "الإتحاد الديمقراطي" هناك، ويلفت إلى أنقرة لديها هواجسها المعروفة من نشوء كيان كردي على حدودها، بالإضافة إلى مخاوفها من سيطرة عناصر جبهة "النصرة" على أغلب محافظة ادلب، بالرغم من أنها كانت تقدم لها الدعم في السنوات السابقة.
في المحصلة، يبدو أن العلاقات الإيرانية التركية قد تكون أمام منعطف مهم جداً في الأيام المقبلة، لا سيما إذا ما نفذت فعلياً العملية العسكرية المشتركة التي تحدث عنها أردوغان في العراق، كما أن لا شيء يمنع أن ينتقل مثل هذا التعاون إلى الأراضي السورية.