على الرغم من عدم انتهائها بشكل رسمي، الا انه من المنصف والمنطقي القول ان عملية "فجر الجرود" التي اطلقها الجيش البناني اصبحت منتهية، مع تسجيل التقدير والاحترام للمؤسسة العسكرية التي حرصت على التقليل من عدد الشهداء والجرحى قدر الامكان، رغم سقوط البعض الذي ترك حسرة وألماً في قلوب اهله وجميع اللبنانيين.
اليوم، بات الحديث عما سيحصل بعد انتهاء العملية بشكل رسمي، وتسلّم الجيش زمام الامور بشكل كامل في هذه البقعة الجغرافية، وفي ما يلي بعض الافكار المطروحة:
-سيجد الجيش نفسه على الحدود الشرقية لسوريا امام مشهد جديد يفرضه الامر الواقع، وهو عدم وجود حدود رسمية تنهي الجزء اللبناني ويبدأ من خلالها الجزء السوري، وهذا امر ستتم معالجته في مرحلة لاحقة عبر الطرق السياسية والدبلوماسية بعد ترسيخ الحل في سوريا بواسطة الدول الكبرى. ومن المؤكد عدم حصول اي اشتباك على الحدود لاي سبب كان، وذلك بفضل تواجد حزب الله على الجانب الآخر من جهة، وانتفاء اي ذريعة من شأنها تأمين الاسباب الكفيلة بحصول مثل هذا الاشتباك من جهة ثانية. وهنا، قد تعلو الاصوات المطالبة بنشر قوات دولية ريثما يتم ترسيم الحدود، ولكن من المتوقع الا تصل هذه الاصوات الى غايتها، فيما سيكون الجيش امام تحدٍّ آخر وهو الكشف على المعابر غير الشرعية والسيطرة عليها منعاً للتهريب (اياً كان نوعه)، وهي مهمة ستكون صعبة دون شك نظراً الى طول الحدود من جهة والعديد القليل للجيش لتولي المسؤوليات في كل لبنان من جهة اخرى.
-سيستعيد الجيش معنوياته وصورته وهيبته التي كانت قد اهتزت في العام 2014، ولن يكون مصير العسكريين المخطوفين لدى "داعش" مصدر احراج له. فإن كانوا لا يزالون احياء فسيثلجون قلوب الجميع بأن انتظارهم وعذابهم أثمر ايجاباً وان مؤسستهم لم تتخلّ عنهم. اما ان تحولوا الى شهداء، فإن التعزية لن تقف عند حد التضامن مع اهلهم في مصابهم الاليم، بل سيظهر الجيش بصورة المنتقم لدماء شهدائه، وان استشهادهم لم يكن رخيصاً على غرار الطريقة التي خطفوا بها، بل ستشكل رسالة مفادها ان من يتعرض للجيش ولعناصره لن يكون بمنأى عن العقاب مهما طال الوقت. هذا الامر كفيل بتعزيز معنويات الجيش وهو امر مطلوب في هذا الوقت بالذات للوقوف في وجه التحديات التي تنتظر لبنان.
-ستتسابق الدول الغربية لقطف ثمار مساعدتها للجيش واعتبار انتصاره وكأنه انتصار لها. ولكن الاهم يبقى في ان هذا الدعم والتبني من شأنه ان يُبعد الجيش عن اتهامات وشكوك ساقها ضده عدد من نواب وسياسيي هذه الدول نفسها، ومنها على سبيل المثال انه تابع لحزب الله، وينفذ سياسة المحور الايراني-السوري، الخ... وعلى الرغم من ان الجيش لا يحتاج الى صك براءة من احد، الا ان المواقف الجديدة من شأنها ان تريحه على الصعيد السياسي، ومعه الدولة اللبنانية. وسيكون من المفيد فعلاً ان تعمل الدول على تكثيف وزيادة مساعداتها للجيش ان من ناحية الاسلحة والذخائر، او من ناحية المعدات واجهزة الاتصالات وغيرها...
-من شأن هذا الانتصار ان يزيد من قدرة تحكم الجيش في الوضع الامني في المخيمات السورية فيمنع التسلل اليها بشكل كامل، او بقاء بعض العناصر الارهابية فيها او خروجهم منها ايضاً. وهذا الامر سينعكس ايجاباً ليس فقط على المخيمات السورية في البقاع، ولكن في كل المناطق اللبنانية، ومن شأنه ايضاً تسريع الوتيرة في المطالبة بعودة اللاجئين السوريين الى وطنهم، دون قلق السلطات السورية او الروسية او غيرها من احتمال عودة الارهابيين الى الداخل السوري، فتكون المسألة بمثابة فوز للجميع.
دلالات كثيرة يحملها انتصار الجيش في عملية "فجر الجرود"، ولكن القلق سيكون محصوراً في امر واحد، وهو امكان استغلال هذا الانجاز من قبل بعض رجال السياسة لاهداف خاصة.