– كانت عين إيران، كما عين روسيا، طوال فترة الحرب الأميركية على سورية والدور التركي الحاسم والفاعل فيها، على لحظة يمكن فيها اجتذاب تركيا ونقلها إلى ضفة مقابلة، وتحمّلت روسيا وإيران الكثير بانتظار هذه اللحظة، ومرّت تعرّجات كثيرة خلال هذه الحرب بدا معها أن تركيا قد نضجت لم تلبث أن تبخّرت وانقلب الأتراك إلى مواقع أشد تورطاً وشراسة في خوض الحرب نفسها، حتى ترسّخت معادلات جديدة قوامها اليأس المعمّم على تركيا وحلفائها من فرص تعديل وجهة الحرب التي بدت فيها سورية وحلفاؤها يقتربون يوماً بعد يوم من تحقيق النصر منذ تحرير حلب. وظهر الاستثمار الأميركي «الإسرائيلي» على خصوصية كردية كمعامل تعطيل للتسويات التي تكرّس تعافي الدولة السورية ضاربين بعرض الحائط بالمصالح الحيوية لتركيا وأمنها القومي.
– خلال الشهور الماضية اختبر الأتراك فرص الرهان كلها على تعديل الموقف الأميركي و»الإسرائيلي»، وفيما بدت الأولوية «الإسرائيلية» الاهتمام بإبعاد حزب الله ما أمكن، بقي الأميركيون يلعبون الورقة الكردية، وصار على الأتراك أن يقلّعوا أشواكهم بأيديهم. ولم يعد ثمة شك لدى القيادة التركية أنّ الأمر لا يقتصر على خصوصية كردية في سورية يدعمها الأميركيون لمنحهم شرعية الوجود في سورية بغطاء العلم الكردي، بل ما تولد من جراء ذلك من انتعاش أحلام الانفصال الكردي في سورية والأهمّ في العراق، حيث القيادة الكردية حليف لتركيا، وصولاً لشعور تركي بخطر تمدّد هذا المناخ بسرعة إلى تركيا، وهو شعور لا تنكر إيران أنها تقيم له حساباً مشابهاً بالنسبة للبيئة الكردية لديها، فالحمّى العصبية تنتشر عموماً كالنار في الهشيم.
– لم يعد التلاقي التركي الإيراني تلاقياً سياسياً، ولا واحدة من محصّلات التموضع على ضفاف الحرب السورية، فقد صار لهذا التلاقي عنواناً متصلاً بالمصالح العليا للدولتين، وصار توجيه رسالة شديدة القوة للقيادات الكردية برسم خط أحمر بوجه محاولات الانفصال، يستدعي بحكم تداخل الملفات أن ترتضي تركيا بقيادة معركة إنهاء جبهة النصرة والتعهّد بالانسحاب من سورية لحساب الدولة السورية مقابل التعهّد الإيراني، بضمان إنهاء خصوصية كردية أمنية وسياسية على الحدود، وهذا ما سبق وسمعه الأتراك بصيغة نصيحة روسية مراراً، مضمونها أنّ الخروج من اللعب بالأمن والجغرافيا في سورية لحساب الاستثمار على تولي الدولة السورية إمساك جغرافيتها من الحدود إلى الحدود هو أقصر الطرق لتفادي مخاطر نشوء عبث موازٍ من الآخرين، والآخرون هنا هم الأكراد.
– التلاقي التركي الإيراني يؤسّس هذه المرة لمشهد إقليمي جديد، تتوسّطه روسيا وتشارك فيه، وعنوانه سيبقى أستانة التي ستمتلك في جولتها المقبلة محفزاً قوياً للنجاح بقوة هذا التلاقي، والثلاثي الروسي التركي الإيراني قادر على تقديم مشهد جديد في سورية والعراق والمنطقة عموماً، وسيجد الأميركيون بعد نهاية العبث والأوهام ونهاية داعش في سورية والعراق، وقد بات الأمر قاب قوسين، أنّ قدرهم هو البحث بالمصالح البعيدة مع هذا الثلاثي المستند إلى دول حقيقية وازنة وقادرة، ليصير السؤال الاستراتيجي الكبير، ماذا تبقّى لـ»إسرائيل» والسعودية من أدوار؟ وهل انتهت الأدوار الوظيفية لهما؟ هل صارا مجرد أعباء استراتيجية تجب حمايتها؟