يمعن العدو الصهيوني في تنفيذ مخطّطاته بوسائل شتى، سواء بشكل مباشر أو عبر أدوات ومسميات متعدّدة، وكثيراً ما يُقال بأنّ مَنْ نفّذها يعاني من أمراض نفسية أو مجنون.
وعين المخطّط الصهيوني على المسجد الأقصى في القدس المحتلة، التي مرّت الذكرى الـ48 لإحراقه، بعدما أوكلت المهمة إلى المدعو دنيس روهان، الذي نفّذ ذلك بتاريخ 21 آب 1969، علماً بأنّ الشخص ذاته هو مَنْ نفّذ محاولة الحرق في التاريخ ذاته من العام 1968، لكنه لم يتمكّن من تنفيذ المهمة التي أوكلت إليه.
يُلاحظ أنّ اختيار هذا التاريخ يعود إلى ادّعاء إسرائيلي بأنّه بالتاريخ ذاته - أي 21 آب من العام 70م، دُمّر الهيكل الثاني الذي يزعمون بأنّه كان مشيداً مكان المسجد الأقصى على أيدي القائد الروماني تيتس.
والمفارقة أنّ روهان، وهو يهودي من أصل أسترالي، نفّذ الجريمة في العام 1969، وجرى حرق العديد من محتويات المسجد الأقصى، ما أدّى إلى إقفاله لفترة من الوقت، بعدما اكتشف حرّاس المسجد الجريمة قبل وقوعها في التاريخ ذاته من العام 1968.
وحُكِمَ عليه من قِبل سلطات الإحتلال محاكمة صورية، تقرّر بنتيجتها إبعاده إلى أستراليا، لكنّه عاد ثانية إلى القدس، ونفّذ جريمته في العام التالي.
ومجرّد السماح بعودة روهان إلى القدس، يؤكد تواطؤ الإحتلال الإسرائيلي معه من أجل تنفيذ المخطّط الإجرامي.
كما ثبت خلال عملية الحرق أنّها نُفِّذَتْ من خارج النافذة وليس من الداخل، ما يؤكد أنّ هناك مَنْ ساعد روهان في جريمته، تحت إشراف سلطات الإحتلال الإسرائيلي.
والهدف الصهيوني من تدمير المسجد الأقصى، هو بناء هيكل سليمان المزعوم.
وخير دليل على تركيز الإحتلال لاستهداف المساجد والكنائس والمقامات الإسلامية ودور العبادة والمقابر الإسلامية والمسيحية، هو ما جرى خلال عدوان غزّة (8 تموز – 26 آب 2014)، حيث دمّر 271 مسجداً منها 71 بشكل كامل و200 بشكل جزئي، كما دمّر كنيسة بشكل جزئي، فضلاً عن استهداف 10 مقابر إسلامية ومقبرة مسيحية.
وما اقترفته الخلايا الإرهابية صنيعة الإحتلال الإسرائيلي في العراق وسوريا من تدمير المساجد والكنائس والمقامات والآثار إلا تأكيد على فكرة تعميم المخطّط الصهيوني، وبأنّه بأيدي إسلاميين، وصولاً إلى تدمير المسجد الأقصى، والادّعاء بأنّ جماعات إسلامية اختلفت في ما بينها ودمّرت هذا المسجد، بهدف إقامة "هيكل سليمان" المزعوم.
الهدف هو تشويه صورة العرب والمسلمين، وليس بعيداً ما تنفّذه "داعش" من أعمال إرهابية في أكثر من بلد في العالم، وفيه بصمة للعدو الصهيوني من أجل تأليب الرأي العام العالمي ضد المسلمين.
وما تكشّف من اعترافات عن تفجيرات برجَيْ التجارة العالمية في نيويورك (11 أيلول 2001) ووقوف الصهاينة خلف ذلك، إلا خير دليل على تحريض العالم ضد المسلمين.
محاولات تنفيذ المخطّط الصهيوني بالسيطرة على المسجد الأقصى وتهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة، لن تكون الأخيرة، فالحلم الصهيوني هو بناء هيكل سليمان المزعوم.
وخلال لقاء مع أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" وكبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات حدّثني عن أنّ الرئيس ياسر عرفات، خلال اللقاء مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون خلال العام 2000، طلب منه أنْ يقوم بترجمة الحديث من الإنكليزية إلى العربية، وذلك بهدف كسب الوقت للرئيس "أبو عمّار" من أجل الإجابة بشكل متأنٍّ عن طروحات كلينتون.
وخلال الحديث تحدّث كلينتون قائلاً: "أقسم بشرفي أنا بيل كلينتون، أنّ في جبل الهيكل هناك هيكل سليمان، وهو عنوان للدولة اليهودية ومطلوب منكم الإعتراف بذلك".
يتابع عريقات: "هنا انتفض "أبو عمّار"، وأخذ الحديث مباشرة دون ترجمة، ليجيبه باللغة الإنكليزية مقسماً: أنا محمد عبد الرؤوف القدوة، أقسم بشرفي بأنّ ذلك ادّعاء مزعوم، ولا يوجد هيكل مزعوم، بل هو المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين".
غادر الرئيس عرفات، وبعد فترة حصل تفجير البرجين في نيويورك، فأبلغ مَنْ كان برفقته أنّنا سنُذبح تحت عنوان مواجهة الإرهاب.
وإذا كان السلطان عبد الحميد قد رفض منح أي حقوق لليهود والصهاينة في فلسطين، فإنّ وزير الخارجية التركي الأسبق إسماعيل جيم وصل إلى غزّة خلال "الانتفاضة الثانية" - "انتفاضة الأقصى"، قبل أنْ يغادر الرئيس عرفات القطاع، وطلب موعداً على عجل، معتقداً أنّ بإمكانه انتزاع اعتراف من الرئيس الفلسطيني، وهو يعيش حصاراً برياً وبحرياً وجوياً من قِبل الإحتلال الإسرائيلي، وتضييقاً وقطعاً للاتصالات من دول العالم.
وكان يحمل رسالة مختصرة عرضها على الرئيس "أبو عمّار" بالقول: "إنّ كل مشاكل الشعب الفلسطيني ستُحل، وستُقام الدولة الفلسطينية المستقلة في غضون أشهر معدودة إذا وافقتم على تنازل بسيط جداً".
الرئيس الفلسطيني الذي استبشر خيراً، سأله عمَّ هو التنازل، فكان رد الوزير التركي: "إعطاء اليهود أمتاراً قليلة في الحرم القدسي الشريف تكفي لبناء كنيس يهودي إلى جوار المسجد الأقصى، وليس من المهم إنْ رُفِعَ عليه العلم الإسرائيلي أو علم الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى علم فلسطين، لكن المهم هو بناء هذا الكنيس الذي سيحل كل مشاكل الفلسطينيين والمنطقة بأسرها".
وبدهاء الرئيس عرفات، أبدى موافقته على الطلب، حيث استبشر الوزير التركي خيراً، واشترط أنْ تتم موافقة الشعب التركي على هذا الطلب، "إذا وافق في أغلبيته على هذا البناء في باحة الأقصى، فسأقوم بوضع الحجر الأساس لهذا الكنيس بنفسي، عندها صُعِقَ وزير الخارجية التركي من الجواب، وغادر متوسّلاً إلى الرئيس الفلسطيني نسيان هذا الموضوع.