كما كان متوقعاً، حظي متشدّدو عين الحلوة بفرصة جديدة للحياة. بفضل «حماس» وأمير «الحركة الإسلامية المجاهدة» الشيخ جمال خطاب و«عصبة الأنصار»، فُرض وقف إطلاق النار بعد سبعة أيام من الاشتباكات بين المتشددين وفتح، رغم التقدم الميداني الذي أحرزته الحركة في مربع الاسلاميين في حي الطيرة.
النهاية ذاتها سجلت في ختام «عرض» نيسان الماضي الذي استمر لخمسة أيام، وأنهته القوى الثلاث نفسها لمصلحة المتشددين، كما سُجِّل في ما سبقه من جولات عدة في العامين الماضيين. ومرة جديدة، فشلت «فتح» في الحسم، ما يشرّع الباب أمام جولة اشتباكات مقبلة... ولو بعد حين. لكن هل يسمح الجيش اللبناني باستمرار التهديد الرابض على خاصرته في بوابة الجنوب، خصوصاً أن عين الحلوة بات موئل آخر وجود لـ«النصرة» و«داعش» على الاراضي اللبنانية بعد إنهاء وجودهما في الجرود الشرقية؟
حافظت «فتح» على موقفها بربط الموافقة على وقف القتال باشتراكها في القوة الأمنية المشتركة التي ستنتشر في الطيرة، وبالحفاظ على المواقع التي سيطرت عليها وعدم سحب مسلحيها، بخلاف ما طلبته منها القوى الإسلامية. هذا الإصرار أدى إلى فشل اتفاق وقف النار أربع مرات.
في المرة الخامسة، وافق الإسلاميون على شروط «فتح»، فتوقف القتال. وانتشرت، بعد ظهر أمس، قوة أمنية مؤلفة من ممثلين عن «العصبة» و«الحركة المجاهدة» و«أنصار الله» و«حماس» من دون تمثيل لفتح. وما إن وصلت إلى الطيرة «حتى طلبت من مسلحي فتح الانسحاب» بحسب مصدر فلسطيني. فتواصل قائد الهجوم الفتحاوي العميد أبو أشرف العرموشي مع قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي أبو عرب رافضاً الانسحاب «الذي يسجّل هزيمة لفتح بعد التقدم الميداني الذي حققته بالسيطرة على قاعة صلاح اليوسف ورفع الأعلام الصفراء على منازل المتشددين، وأبرزهم بلال بدر». سريعاً، صرّح أبو عرب خلال جولته التفقدية على الأحياء المتضررة بأن فتح «لن تسحب مسلحيها وسنردّ على أيّ هجوم مقبل». لم يكتفِ العرموشي بالصمود في مكانه، بل طالب بـ«تراجع بلال بدر من الزقاقين اللذين يتحصّن فيهما في الطيرة والتواري مجدداً في حي الصفصاف، كما فعل بعد اشتباك نيسان». لكن بدر لم يتصرف كمهزوم حتى بعد وقف القتال، فرفض دخول عناصر القوة الأمنية إلى الزقاقين. ومع ساعات الليل، بدأ عناصره وعناصر بلال العرقوب يتجولون بشكل علني بين الصفصاف والرأس الأحمر. فيما أعلن قائد القوة العقيد الفتحاوي بسام السعد ان القوة «لم تنتشر في الطيرة بسبب عقبات على الارض»، وأن ذلك «لا يبشر بالخير للوضع الامني الذي قد يهتز مجددا بفعل عدم التزام بعض القوى بمقررات القيادة السياسية الفلسطينية، وغياب الجدية لدى البعض في عملية الانتشار».
والسؤال الذي يتكرر بعد كل اشتباك: لماذا لم تستطع «فتح» حسم المعركة؟
«اسألوا الإسلاميين»، يقول قيادي فلسطيني في أحد الفصائل، إذ ليس خفياً أن المجموعات المتشددة تلقى رعاية من قوى إسلامية بارزة انكشف إرسالها المال والسلاح والوجبات الساخنة لهم في اشتباك نيسان الأخير. وعادة تسارع هذه القوى إلى فرض وقف لإطلاق النار في حال ضيّقت «فتح» الخناق على المتشددين. في هذا الإطار، كشف القيادي أن الهجوم العنيف الذي شُنّ على «فتح» فجر الأربعاء «شارك فيه أمير فتح الإسلام الشيخ أسامة الشهابي والعناصر التابعون لأحمد الأسير وشادي المولوي الذي أشرف على قتال المتشددين منذ اليوم الأول». وهذه المجموعات، بحسب المصدر نفسه، «تحتاج إلى العبور من الأحياء التي تسيطر عليها العصبة أو الحركة المجاهدة للوصول إلى مشارف حي الطيرة والرأس الأحمر»، علماً بأن أوساط «فتح» أدرجت هجوم الفجر «كمحاولة أخيرة للمتشددين لتغيير موازين القوى في الميدان بهدف تحسين شروط التفاوض مع الحركة، وصولاً إلى فرض وقف القتال لصالحهم».
انتهى اشتباك آب بلا غالب ولا مغلوب. العرموشي قال إن القتال «لم ينته، بل هي هدنة هشة». أدّت رام الله قسطها أمام الدولة اللبنانية، فيما القوى الإسلامية تحتمي بحرصها على المخيم وتجنيب أهله الدمار والتشريد. لكن ماذا عن آخر معاقل التكفيريين في قلب الداخل اللبناني؟ الأشياء التي صادرها مسلحو «فتح» من داخل منازل المتشددين في الطيرة، لا سيما منزل بدر، تنذر بالأسوأ. رايات «داعش» وسكاكين كبيرة كالتي يستخدمها التنظيم للذبح، وملابس نسائية وأسلحة متنوّعة وأموال...
جوار عين الحلوة ليس الخاسر الوحيد، بل الأهالي الذين دفعوا مرة أخرى فاتورة الحسم المؤجّل أيضاً. المعاينة الميدانية تكشف حجم الدمار الهائل في الممتلكات الذي فاق بكثير ما سجّل في اشتباك نيسان، علماً بأن المتضررين لم يتلقّوا بعد تعويضات الربيع الموعودة