حقّقت عملية «فجر الجرود» بأقلّ من أسبوع الهدفَ الأوّل الذي أعلنت عنه قيادة الجيش، وهو تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من إرهابيّي «داعش» الذين سَلبوا الأرضَ وأرزاقَ أبناء المنطقة لأكثر من أربعة أعوام، وتمكّنَ الجيش للمرّة الأولى من الوصول إلى الحدود السورية، بحسب الخرائط الجغرافية، بطول نحو 65 في المئة من منطقة العملية، فيما يبقى جزء وادي مرطبيا (نحو 20 كلم مربّع) تحت سيطرة الإرهابيين، وإنْ كان بحكمِ الساقط عسكرياً بسبب انتشار الجيش في التلال المحيطة به واستهدافِه بالقصف المدفعي والجوّي.
أمّا الهدف الثاني فهو معرفة مصير العسكريين المختطفين، ولكن حتى الساعة ورغم اقتراب العملية من نهايتها لم تصدر أيّ معلومة تشفي غليل ذويهم ولا حتى المؤسسة العسكرية. هذا الملف الذي بدا معقّداً منذ البداية، بخِلاف الوضع مع «النصرة»، يبدو اليومَ أكثرَ تعقيداً.
قبل عملية «فجر الجرود»، تمَّ العثور على مقبرة جماعية في وادي حميد ظنَّ البعض أنّها تعود الى رفات العسكريين الأسرى، وقد أظهرَت نتائج الحمض النووي DNA أنّها تعود لأشخاص مجهولين، اليوم ومع تقدّمِ الجيش في الجرود تَكثر التساؤلات والاستنتاجات عن العسكريين؛ هل هم شهداء أم أسرى، وأين مكانهم.
ومع إصرار المؤسسة العسكرية على رفضِ مبدأ التفاوض مع تنظيم «داعش» أو وقفِ إطلاق النار إلّا بعد الحصول على أيّ معلومة عن العكسريين، حتى الساعة تبدو الصورة قاتمةً في هذا الموضوع. فمع تنظيفِ البقعة المحرّرة لم يتمّ العثور على أحياء ولا على رفات في ظلّ تردّدِ أخبارٍ عن هروب أمير التنظيم في القلمون الغربي (الملقّب بأبو السوس) إلى سوريا.
عملية «فجر الجرود» مستمرّة وعملية تنظيف البقعة المحرّرة من الألغام والتفخيخات مستمرّة ايضاً، كذلك البحث في المغاور والكهوف عن العسكريين مستمرّ بالوتيرة نفسِها، والجيش أعلن عدم التساهل مع أيّ محاولة تَهدف إلى معرفة مصيرهم.
تشير الوقائع على الأرض الى أنّ الأمور معقّدة حتى الساعة، وقد تنتهي العملية العسكرية من دون التوصّل الى معرفة مصيرهم، والسبب بحسبِ ما يمكن ملاحظتُه هو حال التضعضُعِ الذي تعيشه عناصر «داعش» التي تتخبّط في ما بينها نتيجة الضربات العسكرية التي تتلقّاها من جهة، وغياب مركزية القرار التي كانت سابقاً في الرقّة، ما أدّى إلى حصول عمليات انشقاقات كثيرة وحالات هربٍ إلى الداخل السوري وتصفيات داخلية، ما يعني أنّ الذين كانوا يتولّون هذا الملفّ يُحتمل أنّهم قتِلوا نتيجة هذه التصفيات أو هرَبوا، وبالتالي فإنّ مَن تبَقّى من عناصر التنظيم يمكن أن يراوغوا في ادّعائهم معرفة مصير العسكريين لكسبِ الوقت ووقفِ استهداف الجيش لهم.
ويبدو لافتاً أنّ عناصر التنظيم لم يستخدموا هذه الورقة أبداً، رغم كلّ المحاولات التي قام بها الجيش سابقاً للحصول على أيّ معلومة عن العكسريين، ما يرجّح فرضية أنّ مَن كانوا معنيّين بالملف إمّا قُتلوا أو هرَبوا.
مع اقتراب عملية «فجر الجرود» من نهايتها، يبقى بعض الأمل في كشفِ مصير العسكريين المخطوفين، ويبقى باب التفاوض مفتوحاً مع من يَعنيهم الأمر. في هذا الوقت يتابع أهالي هؤلاء العسكريين عملية الجيش التي وإنْ لم تكشف لهم عن مصير أبنائهم، فقد ردَّت لهم بعضَ الاعتبار بأنّ الجيش طرَد الإرهابيين من أرضنا وسيَطرد من بقيَ ليتمّ تحرير كلِّ حبّة تراب.
وبعضُهم ممّن اعتقَد أنّ الجيش خفَّف الوتيرة في اليومين الماضيين إفساحاً في المجال أمام أيّ محاولة للكشف عن مصير أبنائهم، دعوا قيادةَ الجيش إلى مواصلة استهدافِ الإرهابيين والقضاء عليهم حتى آخر شبرٍ من الأرض اللبنانية، فربّما بذلك تهدأ نفوسُهم قليلاً!