سألت أوساط سياسية ونيابية ما اذا كانت المخاوف والهواجس التي تبديها فئة من اللبنانيين حول إطباق "حزب الله"، بعد عودة مقاتليه من سوريا ومن الجبهات التي قاتلوا فيها، على الوضع في لبنان وفرض سلطته على مفاتيح السلطة؟.
ويرى المتعاطفون مع محور الممانعة والمقاومة في سياق سرد الإنجازات التي حققها الحزب على الصعيد الداخلي، ان طرد جبهة النصرة من عرسال سهّل للجيش اللبناني مهمته في قتال داعش على جبهة جرود القاع ورأس بعلبك، وهذه هي معمودية النار للقوى المسلحة اللبنانية بعد نهر البارد، وظهر أنه عندما يقوى الجيش يقوى الحزب، وطالما هو موجود، فهما قوتان للبنان، بانتظار إقرار استراتيجية دفاعية من قبل السلطة السياسية .
واضافت هذه المصادر، ليست المرة الأولى التي يراكم فيها حزب الله على فائض القوة عبر انتصاره في جرود عرسال، ففي العام 2006، واحداث أيار، تحدث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن هواجس البعض في هذا الشأن، مؤكدا على انه لا يريد ان يحكم لبنان، ولا يرغب في استثمار انتصاراته جنوبًا أو في عرسال، في اي مجال او في اي ملف من الملفات السياسة الداخلية .
ولفتت هذه المصادر الى ان اي فريق لبناني مهما كبر حجمه لا يستطيع ان يحكم لبنان لوحده، وهو يتمتع بعدة ميزات غير موجودة في معظم الدول العربية وخاصة المجاورة، وأهمها التنوع والحريات، وحزب الله يريد المحافظة على هذا الواقع، وان هذا البلد لا يمكن ان يكون ضمن محور المقاومة العسكرية والسياسية بسبب هذا التنوع، ولن يكون ايضا في فلك السياسية الاميركية أو السعودية، وان تسليح الاميركيين والبريطانيين للجيش اللبناني لا يتناقض مع وجود حزب الله .
واعتبرت المصادر نفسها ان الوقائع هي التي ستحكم المرحلة المقبلة، والوضع الجديد في المنطقة سيفرض وضعا جديدا في لبنان، وان مصلحته الاقتصادية والاجتماعية تفرض التطبيع مع سوريا، دون ان يكون هناك قرار رسمي في هذا المجال .
ولاحظت المصادر ان رئيس الحكومة سعد الحريري يتصرف بواقعية حيال هذا الملف، ولم يتخذ مواقف حادة، وهو يقرأ ما ستكون عليه الامور مستقبلا، وكان باستطاعته ان يستقيل او اقله أن يهدد بالاستقالة في حال ذهب عدد من وزراء حكومته الى دمشق، وهذا لم يحصل، وهو الذي قال منذ 6 اشهر من مدينة طرابلس بأن عاصمة الشمال ستكون مدخلا للعبور الى سوريا خلال اعادة الإعمار، وانه يجب عدم التوقف عند تصاريح البعض في تيار المستقبل، وهناك حسابات إقليمية لا تسمح للبنان الخروج من هذا الواقع .
وشددت المصادر على ان الشيء الذي استجد بعد مرور اكثر من ست سنوات على الحرب في سوريا، ان هناك حكومة سورية تمسك بالأرض، وان عددا من الدول التي كانت ضد النظام السوري، عادت للتنسيق معه، وان ما يحصل في آستانة عاصمة كازاخستان يعكس هذا التوجه، والذين يطالبون بالتنسيق مع المعارضة لا يَرَوْن إمكانية في ذلك لانها محصورة ومحاصرة في مناطق محددة مثل ادلب وغيرها .
وأكدت المصادر على أهميّة عدم تبخيس دور الجيش اللبناني أو دور حزب الله، لان ما حصل في عرسال وفي جرود رأس بعلبك والقاع، يقلق الإسرائيليين، وقد اشارت الصحافة الإسرائيلية الى هذا الامر .
في المقابل، يرى خصوم "محور المقاومة" ان الأغلبية الساحقة من اللبنانيين كانوا الى جانب حزب الله في مواقفه المعادية لإسرائيل ولأطماعها في الاراضي اللبنانية، لكن احتكاره للنهج والتغيير الجذري في هذا الواقع، سواء في لبنان او في العالم العربي، قلب الاوضاع وحتّم تقييما مختلفا، خصوصا ان انخراطه في الحرب السورية جاء في اطار اجندة إيرانية على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين. أما في الداخل اللبناني وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحزب، فقد فرض هذا الاخير نموذجا للتعامل مع محيطه يتناقض مع مبدأ التنوع وحرية الرأي، حيث برزت دكتاتورية أدت الى اخضاع جميع معارضيه، وطبق نظام الحزب الواحد كما هو حاصل في سوريا والبعض من الدول الاستبدادية، ورافق هذا السلوك اعتقالات ومواجهات ضد لبنانيين لا يزال مصير بعضهم مجهولا. وتحولت بحسب هذه المصادر مناطق الحزب الى دويلة مسلّحة أطبقت على كل المواقع والسلطات وتجاوزت كل الخطوط الحمر، وجعلت الدولة اللبنانية عاجزة عن تغطية عورات هذا الحزب .
وأكدت المصادر ان المطلوب اليوم بعد ان اثبتت الدولة اللبنانية ان جيشها قادر على حماية الحدود والدفاع عن لبنان واللبنانيين، ان تتخلى المقاومة عن تقديم مصالح ايران على مصالح لبنان، وان تنخرط فعليا لا بالقول وحده، في العمل مع الدولة اللبنانيّة على اقرار سياسة دفاعية تؤدي الى ان يكون السلاح في يد الدولة وحدها، بحيث تكون الوحيدة المخوّلة إتخاذ قرارات الحرب والسلم .
وترى المصادر ان اعتقاد "محور المقاومة" جازما بأن النظام السوري لن يتغير وان على لبنان التعامل معه بشكله الحالي لمصلحة لبنان، هو اعتقاد يفتقد الى الكثير من الواقعية، لأن ما يحصل اليوم هو محاربة التكفيريين وطردهم من العالم العربي، وبعدها تأتي مرحلة محاسبة النظام لا مكافأته على أعماله ضد شعبه ومعارضته التي لا بد وان تنال حقوقها السياسية والاجتماعية كاملة، وهذا بالتأكيد سيضعف النظام والذين وقفوا الى جانبه وضحّوا بالعديد من شباب لبنان من اجل هذا الهدف .
ولفتت المصادر السياسية والنيابية الى الاعتقاد بأن العامل المشترك الذي يجمع بين القوى المحليّة والدوليّة اليوم هو قهر الاٍرهاب والتكفيريين، لتخلص الى ان المرحلة المقبلة ترسمها عواصم دولية واقليميّة ولم تتبلور بعد اتجاهاتها وأنواعها .