حتى الساعة لا يزال السؤال الاساسي يدور: هل ستجري الإنتخابات النيابية في لبنان؟ تتفاوت الاجوبة، لكن الاكثرية السياسية تجزم القول: الانتخابات ستحصل في موعدها المقرر وعلى اساس القانون الذي جرى اعتماده. هناك من يشكك بإمكانية اجراء الانتخابات العام المقبل، مستندا الى "تراجع شعبية تيار المستقبل"، واختلاط التحالفات السياسية.
في الواقع لا قدرة لأي فريق على طلب تأجيل الإنتخابات. لبنان ينعم بالاستقرار، وهو اكثر أمنا من الدول الأوروبية. ما حجة الإرجاء؟ المواطن لن يتحمل هذه المرة إبعاده عن اختيار نوابه، خصوصا ان قانون النسبية أعطاه أملاً بإحداث نتائج تناسب توجهاته.
اذا، الاستحقاق قائم. ماذا تنتظر القوى لاطلاق ماكيناتها وتحديد مرشحيها؟
بدا رئيس حزب القوات سمير جعجع، ثم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الاكثر اندفاعا، من خلال تسمية مرشحين على لوائحهم. لكن ذلك لا يعكس كسل الآخرين. جميع القوى بدأت تعدّ العدة، وتُجري استطلاعات للرأي، وتدرس البيئة المناسبة وتشكل لجانا انتخابية موزعة على المناطق. خصوصا ان القوى لم تجرّب الناخب منذ ثماني سنوات. هل تبدلت أولويات المواطنين؟ بالطبع هناك مزاج شعبي جديد.
هذا يحتّم تحالفات مستحدثة تفرضها المصلحة الانتخابية، لا الاستراتيجيات والتحالفات التقليدية. لقد ولّت انقسامات آذار الى غير رجعة. الدليل هنا في التقارب الحاصل بين "القوات" و"المردة" على حساب "التيار الوطني الحر". للفريقين مصلحة في اكتساح دوائر الشمال، وحشر "الوطني الحر" في المناطق المسيحية. يعرف جعجع والنائب سليمان فرنجية ان دوائر الشمال قادرة على اضعاف رئيس "التيّار الوطني الحر" وزير الخارجيّة جبران باسيل، وتخفيض تمثيل تياره. لن يقتصر الامر على الشمال في حال امتد التحالف بين القوات والمردة الى كسروان وجبيل.
لم يحسم لا فرنجية ولا جعجع هذا الخيار، لكنه قيد الدرس. فيما يعتمد باسيل على تحالفه مع تيار "المستقبل" لكسب الاصوات السنيّة في الشمال والجنوب والبقاعين الاوسط والغربي. انها معارك الحلفاء، قبل سباق الخصوم. هناك من يردد ان "حزب الله" سيتمنّى على فرنجية عدم التحالف مع جعجع، لعدم كسر باسيل مسيحيًّا في الشمال. لو صحّ هذا السيناريو، هل سيطلب الحزب من باسيل عدم التحالف مع الحريري لمنع طحن حلفاء الحزب في الشمال اولا، من طرابلس الى المنية والضنية وعكار؟.
الصورة ضبابية. لم تتبيّن حتى الآن خيوط التحالفات. في وقت الانتظار الذي يمتد بالحد الأدنى لرأس السنة المقبلة، سيعمد كل فريق الى فتح ابوابه على كل الخيارات، من دون حسم نهائي.
ثمة من يقول ان التطور السوري الميداني لصالح دمشق في حربها المفتوحة ضد الارهاب، سيترك تداعيات على المشهد اللبناني الانتخابي. لِمَ لا؟ لكن كيف؟ هل يعني ان حلفاء سوريا سيتحالفون جميعهم؟ لا يبدو الامر كذلك. كل فريق يريد اثبات نفسه داخليا. لن يترك باسيل الحلف مع الحريري، كما تبين مؤشرات جلسات الحكومة وملفاتها كخطة الكهرباء مثلا. قد تكون لانتخابات رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون تأثير في الاستعداد منذ الآن. كل خطوة تقيسها القوى محسوبة بحسب المصلحة والقدرة على رفع مستوى التمثيل. تلك المصالح ستفرض تحالفات انتخابية لا تمت الى العناوين الاستراتيجية بصلة. هذا هو لبنان. ماتت 8 و14 اذار، والقوى تفتش عن فرز جديد. سيظهر حكما في ربيع عام 2018.