بعد أيام على إطلاق الجيش اللبناني معركة فجر الجرود ضد تنظيم داعش الإرهابي، وتحديداً بعدما بدأت مراكز التنظيم في جرود الفاكهة ورأس بعلبك والقاع تسقط المركز تلو الآخر، خُلق أجواء ولو همساً في الصالونات السياسية وعلى وسائل التواصل الإجتماعي، يوحي وكأن ما قام به الجيش في معركة فجر الجرود، كان بمثابة مسرحيّة لرفع معنوياته بعد معركة تطهير جرود عرسال التي حسمها حزب الله قبله بداية، بلغة قتال جبهة النصرة ونهاية بلغة التفاوض في نقطتي وادي حميد ومدينة الملاهي. هذا الجو الهادف الى تحطيم الجيش وتهشيمه، إنطلق من الإنسحابات والإنهيارات السريعة لتنظيم "داعش" في القاع ورأس بعلبك والفاكهة، كي يقول إن الجيش لم يخض معركة حقيقية في تلك المنطقة والدليل أن الشهداء الذين سقطوا حتى الساعة بإستثناء الشهيد الأخير الذي سقط بعدما تعرضت آلية عسكرية لإطلاق نار مساء أمس، لم يكن إستشهادهم نتيجة مواجهات بل بسبب عبوات زرعها الإرهابيون في الجرود، إما إنفجرت بآلياتهم وإما إنفجرت خلال تفكيكها. وفي السياق عينه، سمح البعض لنفسه بأن يغرد أو يعلق قائلاً إن "الجيش كان على علم بأن "داعش" سينسحب من دون مواجهة وصمود، وعلى رغم ذلك حشد قواته وتعزيزاته كي يوحي وكأنه يحضّر لمعركة طاحنة".
بالفعل معيب جداً ما قرأناه أو سمعناه خلال الأيام القليلة الماضية على صفحات وألسنة البعض، ومقززة جداً هي محاولات التهشيم بمعنويات المؤسسة العسكرية، التي لم تتوان يوماً عن تقديم الشهداء على مذبح الوطن كي ينعم اللبنانيون بوضع أمني مستتب بعيداً كل البعد عن ظواهر الإرهاب والقتل والذبح التي لا دين لها ولا طائفة ولا وطن. وعلى هذا الجو المسموم، تردّ مصادر عسكرية متابعة، "هدف المعركة الدائرة في الجرود لا بل أهداف كل المعارك التي تخاض لتحرير أرض محتلة عادةً، هو أكل العنب لا قتل الناطور، وأكل العنب هنا يعني تحرير الأرض مهما كانت الطريقة أو الأسلوب، أكان عبر الحروب أو من خلال التفاوض، وحتى لو تحقق ذلك عبر إنسحاب المحتل. إذاً هدف الجيش هو تحرير جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة من أي وجود أو تمركز لإرهابيي "داعش" وهذا ما تحقق منه أكثر من 80 % حتى اللحظة منذ بدء المعركة، وإذا سقطت غالبية التلال التي تمت السيطرة عليها، بفعل الضربات المدفعية والجوية وبفعل الصواريخ الموجهة، أي قبل الوصول الى المواجهات المباشرة، فهكذا يكون هدف المعركة قد تحقق وبأقل خسائر بشرية، لإن المطلوب أولاً وأخيراً هو تحرير الأرض لا التضحية بدماء العسكريين والضباط وتقديمهم شهداء على مذبح الوطن، وهنا لا بد من تذكير أصحاب الجو المسموم، بأن إنسحابات "داعش" من الجرود اللبنانية الى الداخل السوري، لم تأتِ من لا شيء، بل نتيجة الضربات العسكرية التي تلقّتها مراكز التنظيم، ونتيجة إقتناع قيادته في القلمون بأن مصير المواجهة مع الجيش هو الموت الأكيد لكل الإرهابيين المنتشرين في المنطقة، وذلك بفعل الحصار المفروض عليهم وفقدانهم لخطوط الإمداد اللوجستي من الداخل السوري.
لكل ما تقدّم، فليكفّ المحرضون عن تحريضهم، وبثّ سمومهم، وليصمت من سمح لنفسه التطاول على المؤسسة العسكرية القادرة على خوض كل المعارك في الداخل اللبناني متى تأمن لها القرار السياسي المطلوب، وهذا ما لم يكن مؤمناً في غزوة عرسال 2014 التي أوصلت جرود السلسلة الشرقية الى ما هي عليه اليوم.