في جبل محسن، لم يكن ينقصنا تشرذماً بعد تكاثرِ الطامحين للوصول إلى الندوة البرلمانية، سوى التسابق لرئاسة المجلس الإسلامي العلوي. وبين هذين الاستحقاقين ماتت أحلامُنا المظلومَة مقهورةً على عتبة الطرفين.
في كل ليلةٍ ننامُ على مشكلةٍ في المجلسِ، لنستفيقَ على أخرى مزعجة أكثر.
وفي كل يومٍ يُطلُّ علينا مرشحٌ بهلوانيٌّ من كلِّ ناحيةٍ ليملأ دُنيانا قرفاً ومسخرةً.
وإذا تابَعْتَ ثُمَّ تَابَعْتَ وسائل التواصل الإجتماعي لا يُهدِّئ من روعكَ إلاَّ الرحيل حيث لا تلمح كل هذه الصور التي زَكَّتْ أنفسها بألقابٍ طنانةٍ وأعمالٍ مُبهرةٍ وهي للأسف فاقدة كُلّ شيْء...
ولن ننس رجالَ أعمالٍ سماسرة راحوا يقامرون بنا في حفلات نشوتهم الثكلى على مسارحٍ خلتْ من شهامةٍ وبطولةٍ، حتى صحَّ القول فينا: الجنازة حامية، والميت... (تعرفونه جيداً). ونحن ماذا نملك في كل هذه الدولة اللبنانية؟ لا نملك سوى مجلس ونائبين...
كل الطوائف في لبنان تتكل على مرجعيتها، وتلجأ إليها في الشدائد والملماتِ، لأنها تحميها، إلاَّ نحن حسبنا الله ونعم الوكيل. وعند كل صرخةِ وجعٍ من أيِّ علويٍّ لتغيير واقع مجلسه يُجابه بالتخوين، كأن المطالبة بالتغيير هي تدمير للطائفة.
وإذا كانت المجالس الروحيّة في لبنان ترعى شؤون رعيتها إلاَّ مجلسنا... فقد آثر على نفسه رعاية نفسه فقط وحفظها بمواكبة أمنية إستعراضيةٍ في دخوله مجالس العزاء وخروجه إلى فضاء الأغنياء.
وكل نواب الطوائف (بالرغم من الشكوى الكبيرة منهم) إلاَّ أنهم يخدمون أناسهم في محطاتٍ ما، إلاَّ من ينوب عنا، فبالصدفة يُعطى باسمنا حقوقاً يصح فيها قول الشاعر:
(وتعظم في عين الصغير صغارها)، ليوزعها حسب مصالحه على من لا يشكره عليها...
المجلس الإسلامي العلوي: من اللاشرعي إلى الشرعي إلى التمديد فالتفويض. قبل رحيل المرحوم الشيخ أسد عاصي رئيس المجلس، كان نائبا الطائفة الممددين لنفسيهما: المرحوم بدر ونوس والأستاذ خضر حبيب في حركة دائمة بلا بركةٍ لتغيير المجلس، وحُرقتْ أسماءٌ بعينها، وذُبِحتْ شخصيات معروفة (طبعا بالمعنى المجازي) بين صراع النائبين اللذين اتفقا على العداء لبعضيهما وللشيخ الراحل أسد عاصي.
وكلنا يذكر تلك الواقعة التاريخية التي ربما فاقت في عقول البعض: واقعة بدر وحنين، على باب القصر الجمهوري بين الرئيس الراحل (المُمَدَّد له) والنائب الباقي (المُمَدِّدِ لنفسه).
وكتب التاريخ عندها غرر الإنتصارت، وأدخلونا في دوامة الجدال والمماحكات والتعليقات الفايسبوكية التي هي بالفعل أكبر معركةٍ حقوقيةٍ خاضوها من أجلنا وربحوا فيها جولات وجولات. ثم َّ رحل الشيخ أسد (رحمه الله)، ووصلنا إلى الأستاذ محمد عصفور.
ومُلئت شوارع جبل محسن وطرقاته الرئيسية والفرعية بلافتات الإعتراض على تعيينه، وضجت صفحات التواصل الإجتماعي رفضاً وتنديداً ببقائه، حتى وصل الأمر إلى درجة نخجل من الاستشهاد ببعض المنشورات التي ما زالت موجودة ضده على صفحات أصحابها.
وفجأة صار للمجلس مكتباً إعلامياً يُندِّد بالأصواتِ المعارضة (طبعاً هو غير موجود إلا بمنشورِ واتساب لا تستطيع الرد عليه، فلا يمتلك جرأة الفايسبوك لأنه سيهاجم بآلافِ الأصوات المشحونة ضده... حقيقة كانت أم وهمية).
ولم يتحرك هذا المكتب الوهمي خلال كل عمر المجلس تحسُّساً لآلامِ فقراء العلويين...
فقط ثارت ثائرته التهديدية بأنَّه سيقاضي كل محتجٍ عليه في القضاء من باب حصانته المعنوية المزعومة، التي طالت شخص السيد عُصفور الذي ضُعْنَا وضاعوا بتوصيفٍ قانوني لما يشغله حالياً: أهو يا ترى، القائم بأعمال رئيس المجلس؟ أم المفوض بتسييره؟ أم لا هذا ولا ذاك، ما زالَ نائباً له؟.
جُلّ همه، خبرية من هنا أو هناك لِيَبْنِ عليه قضية وقصةً يشغل بال بسطاءنا عن معاناتهم المتضخمة.
والهم الأكبر حالياً أنه سيترك الهندسة ليتجه إلى المشيخة دون دراسةٍ، بقرار تعميم فقط يصدره له أحد المتمشيخين علينا.
ومن تعمَّم قانونياً مثلنا ويتابع دراسته الشرعية يحاربه دون هوادة. فلم يعتادوا يوماً معنى الديمقراطية والحرية.
وآخر أخبار التعميم المجاني لرجالِ الهيئة الشرعية ارتداء ابن أحدهم الزي الديني في مقابلة إحدى الشخصيات الرسميّة، هكذا فقط لأنه ابن عضو هيئة شرعية... فليمتحنوه إن كانوا رجالاً؟ أم صحَّ فيهم: أسدٌ علينا وفي الحروب نعامة؟. وأمام كل هذا خفت صوت النائب الممدد لنفسه حتى اختفى. يا سبحان الله. كل تلك الشعارات لمحاربة الفساد (حسب زعمه) وكل تلك المعارضة الطويلة ذهبت أدراج الرياح. ولكن يا صاح يقال بارتياح، إذا عُرف السبب بَطُل العجب. فقد همسوا لي وهمستُ لهم، إنَّ العديلَ جَعَلَهُ يعدلُ.
فلأنَّهما عديلانِ، الأستاذان عُصفور وحبيب، لم تعد هناك حاجة للتغيير، والأمر واضح لا يحتاج إلى تفسير. فافهم ذلك أيها الفطن اللبيب... وضاعت فرصتنا بالتغيير.
ومن المؤكد أنَّ هناك من أسكت كل تلك الأصوات المعترضة حتى أزالت اللافتات من الشوارع. وبالرغم من ذلك مازالت بيانات الرفض لواقع المجلس يصدرها مثقفون بين الفينة والأخرى دون جدوى.
ولماذا نطبل للظالم مادام بأيدينا التغيير؟. كثيرون حولنا ينهالون علينا بالتنظير عن مساوئ التغيير حتى يذهبوا بك إلى أن مجرد الكلام به هو تدمير ومنهم من يهوّل عليك بأنه هو كالتفجير أو أفظع منه بكثير. الحقيقة أن من ينادي بالتغيير هو أظلم وأفسد ولا يملك أيّ ذرة من منطق، سوى بضعة أيادٍ تصفق له وبألسنة تعرق من كثرة الصفير. وهذا لا يعني أن بقاء الحال على حاله مجدٍ أو يريح أي مجاهد في الله ليهتدي سواء المسير. بل القصة يا اخوان قد ضاعت قضيتنا المظلومة، بين ظالم وظالم أظلم جاء لينقلب عليه. ونحن ما لنا حل سوى الدعاء بأن يهون علينا عذاب الضمير.
فقد بلغ السيل الزبى وما باليد حيلة مع أن العين تقشع كثيرا، من رأى منكم منكرا فليغيره.
ليس أمامنا سوى بضع كلمات يبوح بها موضوع التعبير، تريح قلق أفكارٍ ثائرةٍ، وهيجان مشاعر مقهورة.
أين أصبحت الإنتخابات الفرعية يا معالي وزير الداخلية؟ سبعة شهور مضت تقريباً على رحيل النائب الممدد لنفسه بدر ونوس (6 كانون الثاني 2017)، وفي كل فترةٍ تُضْرَبُ لنا المواعيد عن إجراء الانتخابات الفرعية، وآخرها أيلول المقبل كما رجَّحَ وزير الداخلية في حديث صحفي والذي أكَّدَ أنَّ البحث تجاوز مسألة إجراء الإنتخابات من عدمها، لأنَّ الحكومة ملزمة دستورياً وقانوناً بإجراء الفرعية. لذا نأمل من معاليه أن يُطلَّ علينا بخبر سارٍّ يؤكد ما أدلى به. وإذا كان فراغ مقعد نيابي ليس بأمر ذي أهمية عند غيرنا لكثرته، فهو عندنا حقٌّ ضائعٌ وليس بذي قيمةٍ فعلية لنا إلاَّ من باب الضحك على أنفسنا بجدواه، وبالرغم من يُتْمِهِ وتعليق الكثير منَّا آمالاَ كثيرةً عليه، إلاَّ أنه رهان خاسرٌ لهذا السبب البسيط: إذا كان تعاطي زعامات طرابلس مع الطائفة العلوية بهذا القدر من الإستخفاف سينسحب على الانتخابات النيابية. فأنا أدعو كل حرّ شريف في طائفتنا المظلومة إلى تقديم تنازل عن هذا المقعد النيابي، لا نريده، وماذا نفعل به؟ اذا كان شوكة في أعيننا وخنجراً في ظهورنا، فلنتنازل عن هذا التمثيل النيابي قرفا من كل هذه الزعامات الطرابلسيّة وكل هذا النظام الطائفي الفاسد. فلا ، وألف لا، لأي تمثيل لا يراعي مشاعرنا نحن كعلويين. يصعد باسمنا على أكتاف أوهامه فلا يرانا إلا من باب استغنائه، ولا نعد نراه إلاَّ من باب استعدائه. فأي مقعدٍ هذا الذي نريد، وأيُّ حق نسعى إليه؟. فانبذوه يا إخوتي وراء ظهوركم، ولا تشتروا به حتى أصحاب شهاداتٍ لن تشهد لكم يوماً بشهادةٍ.
وماتت أحلامنا...
في كل يوم تخسر الطائفة العلوية صفحة من صفحات حاضرها لتصبح في كتاب تاريخها، ولم تستطع بالرغم من كل ذلك الكم الهائل من أدبياتها الإخوانية والإنسانية أن تفتح صفحة جديدة لنفسها بيضاء نقية من أجل مستقبلها. وسامح أخاك إذا ما هفا. أين أصبحنا منها؟ وبين شماتة الآخرين بنا، ومصالحتنا مع بعضنا ، ماذا نختار؟
في كل يوم تثبت لي الأيام أنه أهون الهيّن علينا استعداءنا لبعضنا... وأصعب الصعب خطوة ولو مترددة للقاء من نختلف معه في منطقتنا. كأن الولاية وهي أشرف نعمة نعتز بها، صارت نقمة علينا تفرق ولا تجمع. وصار لبعضنا قناعات أنه بمحاربته لأخيه أسلم له عند من يعاديه. حتى صارت "طَخْيَة عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه" كما وصفها أميرنا (ع). واستوت عند كثير منا المتناقضات وتقابلت الاضداد، فالصديق كالعدو، والأسود كالأبيض، والمصيب كالمجرم، ومن لا حيلة له كالمحتال على كل الناس. ويقف من لا يملك شيئا سوى صوته أمام هذا الكم المتضخم من اللامفهوم ليبتلع لسانه فلا ينبس بعد لحظته هذه ببنت شفة، تاركاً منابر الصريخ لذوي الأيادي الطويلة والألسنة الطويلة ليحفظ بعضاً من كرامة يضن بها.
وآخر اختراعاتِ بعضهم ليس فقط كتابة التقارير في كل محتجٍ مسكين، التي صارت نمطاً تقليدياً منبوذاً، بل الاحتيال عليه ببعض الجواسيس الذين يخدعونه باسم الإخوة لتسجيل انفعالاته في لحظاتِ غضبه وفرحه أو قرفه، ومن ثمَّ التهديد بفضحه. فويل للمُسجِّلين. وحذار يا إخواني حذار ممن هذه صفته وتلك هي أخباره. وفي الختام، إنَّ مجلساً يحارب طلبة العلم عارٌ علينا بقاؤه، وإِنَّ نائباً لا يمثلنا عار علينا انتقاؤه ولنتذكر جميعاً علامة العلويين (قدسه الله): بقلبي من مُصابِ بني نُمير، جراحٌ ليس يُبْرئها الطبيبُ، وَهَمٌّ لا يفارقُهُ وَغَمٌّ، يحارُ بشرحِهِ الفطِنُ اللبيبُ.
فهل سيجتمع المكتب الإعلامي الخطير للمجلس الإسلامي العلوي بهيئتيه تنديداً لمقالي وتهديداً بمقاضاتي؟. لننتظر ونَرَ. وسلامٌ على طيبِ الكلامِ.
للمراسلة : shadimerhi161@gmail.com
للمتابعة على التويتر : shadimer3i@ الفيسبوك: الشيخ شادي عبده مرعي