أكدت مصادر فلسطينية لـ "النشرة"، ان حركة "فتح" كانت بصدد إعلان حل "القوة المشتركة" في عين الحلوة، والتوجه نحو العمل الفردي العسكري والامني، الا ان التدخل السياسي اللبناني في الساعات الاخيرة حال دون اعلان ورقة النعي، واعادة الحياة اليها بما يشبه "الفرصة الاخيرة"، وتاليا الروح الى "الاطر الفلسطينية المشتركة"، كواحدة من نتائج تداعيات الاشتباكات الاخيرة التي حصلت في المخيم بين حركة "فتح" من جهة ومجموعتي الناشطين الاسلاميين بلال بدر وبلال العرقوب من جهة أخرى والتي استمرت على مدى 6 أيام وحصدت 6 قتلى ونحو 37 جريحا، إضافة الى اضرار جسيمة في الممتلكات من المنازل والمحال التجارية ونزوح المئات من العائلات من "حي الطيرة" الذي بات "منكوبا".
رغبة "فتح" بحل "القوة المشتركة" عبر عنها بوضوح، عضو اللجنة المركزية للحركة المشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان، عزام الاحمد، في "اللقاء اللبناني الفلسطيني" الموسع الذي عقد في مجدليون بدعوة من النائب بهية الحريري، معددا الاسباب بعدم جدواها، وبـ"تهرب بعض القوى من تحمل مسؤولياتها، وترك "فتح" وحدها في ميدان المعركة"، وأكثر من ذلك، "اتهام قوى أخرى بدعم المجموعات الاسلامية المتشددة" في اشارة ضمنية الى حركة "حماس" وبعض "القوى الاسلامية".
لم يقف المسؤول الفلسطيني البارز، عند هذا الحد، بل ذهب الى أبعد من ذلك، باعطاء فرصة أخيرة لبقائها حية، استجابة لطلب النائب الحريري، والتأكيد ان فتح عازمة على المضي قدما في ملاحقة "المجموعات المتشددة" والمخلين بالامن في المخيم والقاء القبض على المطلوبين بقرار فردي دون العودة الى "القوة" او "الاطر المشتركة" اذا تطلب الامر ذلك، في رد غير مباشر على ما قامت به حركة "حماس" و"عصبة الانصار الاسلامية" من عملية تسليم المطلوب خالد السيد دون الرجوع لاحد او ابلاغهم وحشرها في خانة "العاجزة او المقصرة".
هذه المواقف، اثارت استغراب بل استياء خصوم "فتح" السياسيين، توقفوا باهتمام بالغ امامها وهي تفتح الافق لمرحلة جديدة، في اعادة احياء الطرح الفلسطيني الرسمي السابق الذي حمله مدير المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج الى بعض قادة الاجهزة العسكرية والامنية اللبنانية، خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "ابو مازن" الى لبنان في نيسان الماضي، وحينها كانت الاشتباكات في مخيم عين الحلوة على اشدّها، ويقوم الطرح على استعداد "قوات الامن الوطني" الفلسطيني بحفظ الامن داخل المخيمات وفق آلية تنسيق لبنانية-فلسطينية، ولكن الجواب اللبناني كان "التريث" بما يشبه "الرفض"، نظرا لتعقيدات المشهد الفلسطيني وتداخل معادلته السياسية والعسكرية وتحديدا في عين الحلوة، والتقدير بأن "العمل الفردي" لا ينجح في المخيمات، وان "العمل المشترك" أجدى ويشكل مظلة حماية سياسية ويحقق الاستقرار المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة.
بين الطرح وتوقف الاشتباكات، بدا المشهد الفلسطيني يتارجح بين "التهدئة الموقّتة" وبين "التوتير المحتمل"، لان المعالجة لم تكن جذرية، وهي قاربت سابقاتها "انتهاء جولة بانتظار أخرى"، رغم انه يسجل لحركة "فتح"، اولا نجاحها في اختيار التوقيت المناسب لمعركتها في تزامنها مع معركة الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك والقاع ومحاربة تنظيم "داعش" الارهابي، اذ بعثت "رسالة" محلية وخارج حدود لبنان، انها قادرة ايضا على محاربة "الارهاب" بعنوانه الفلسطيني، رغم التحفظ اللبناني وطول امدها وعدم الالتزام بوعود وقف إطلاق النار اكثر من مرة، ثانيها، تبدو "فتح" اليوم غيرها ما قبل الاشتباكات، حققت تقدما واضحا على ارض الميدان في "حي الطيرة" في الاشتباكات العنيفة بجولاتها الاربع، شدّدت الخناق على مجموعتي الاسلاميين "البلالين" العرقوب وبدر، الذي أعلن خروجه من الحي وتواريه عن الانظار مجددا، وقرارها الحاسم بعدم الانسحاب منه تحت اي ظرف كان، ما جعل "القوة المشتركة" تتأخر بانتشارها وفق اتفاق وقف اطلاق النار بانتظار تذليل بعض العقبات، ثالثها ان"فتح" عملت على خطين موازيين، الاول "العمل المشترك" سواء في "القيادة السياسية الموحدة" او "القوة المشتركة"، والثاني برفع كفاءة كوادرها وعناصرها من خلال الدورات التدريبية العسكرية المتتالية حتى بات لديها "قوة نخبة" قادرة على انجاز مهمام امنية وعسكرية محددة.
بالمقابل، يأخذ خصومها انها تفردت بقرار الهجوم المباغت على "حي الطيرة" ما ادى الى "اتساع" نطاق المعركة بعدما كان "محصورا" على الشارع الفوقاني مع مجموعة العرقوب، ليصبح في عدد من الاحياء ومع مجموعة بدر والكثير من مؤيديه، ما أطال أمد المعركة دون الحسم بالقضاء عليهما او اعتقالهما، والسعي لربط المعركة بعنوان "ارهابي"، وهو ما يتجاوز حدودها الطبيعية، مع الاشارة الى ان رفض السلطات اللبنانية وتحديدا "رئيس المفاوضات" المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، بالموافقة على ادراج قضية مطلوبي عين الحلوة اثناء الاتفاق مع "جبهة النصرة" الارهابية، جاء كاشارة واضحة في الرغبة بفصل المسارين عن بعضهما وعدم الصاق "الصبغة الارهابية" بالمخيم الفلسطيني، وان كان هناك افراد او حتى مجموعات بايعت "داعش" او "النصرة" او متأثرة بافكارهما المتشددة.
بالمقابل، استنفرت حركة "حماس" وجالت برئاسة مسؤولها السياسي في لبنان أحمد عبد الهادي على القوى الصيداوية، شرحت موقفها من الاشتباكات، عبرت عن استيائها من محاولات "شيطنتها"، عكس قرارها تسليمها مع "عصبة الانصار الاسلامية" المطلوب خالد السيد وقناعتها عدم تحويل المخيم الى "أجندة غير فلسطينية" ورفضها الارهاب، رافضة اتهامها في كل مرة بازدواجية الموقف لان ذلك قد يتخذ مبررا لافشال اي عمل جماعي، في وقت تؤكد فيه حرصها على العمل المشترك، وقد جسدته بالمشاركة بفعالية في "القوة المشتركة وظهرت صورة الموقف الموحد، رغم تفرد "فتح" بالهجوم على "الطيرة" بالمبادرة الى عقد لقاء مشترك في سفارة دولة فلسطين في بيروت مع عضوي المجلس الثوري لحركة "فتح" السفير اشرف دبور وأمين سر الحركة في لبنان فتحي أبو العردات، وأعلنت في بيان مشترك ان "وجهات النظر كانت متابقة لمواجهة التطرف والمخلين بالامن وادوات الفتنة".
بين الموقفين، اشتعلت حرب اعلامية لا تقل ضراوة عن السياسية، وسط الاتهامات المتبادلة، بين الناشطين الاسلاميين والفتحاويين على "مجموعات التواصل الاجتماعي"، بعض عناصر "فتح" التقطوا الصور داخل منزل بدر الذي بدا جانبا منه محترقا، نشروا صورا لاشخاص قالوا انهم "قاتلوا مع بدر بأقنعة"، ردت بعض العائلات توضيحا، ووعدوا بنشر المزيد خلال الايام المقبلة، ولكن الخوف الحقيقي بقي من استمرار "التوقيفات" التي كرست المربعات الامنية القديمة والجديدة معا، حاول أبناء "حي الطيرة" رفع الصوت والمطالبة بانسحاب "فتح" من الحي ولكن دون جدوى.
خلاصة القول، نجحت الجهود اللبنانية على خط معالجة تداعيات اشتباكات عين الحلوة في "فرض تفاهم" جديد ومنع انهيار الموقف الفلسطيني الموحد، وخلصت الى اتفاق على وثيقة من اربعة بنود، اولها التمسك بالعمل الفلسطيني المشترك وبالقوة المشتركة وتعزيز دورها ومساندتها، خاصة من قبل الأمن الوطني الفلسطيني وهو القوة الأمنية التابعة لـ "منظمة التحرير الفلسطينية"، والتي تتواجد وتقوم بواجباتها وفق الاتفاق مع الدولة اللبنانية، ثانيها اعتبار جميع المطلوبين والخارجين عن القانون في المخيم سواء فلسطينيا او لبنانيا هم الهدف للموقّعين على هذه الوثيقة وهم مطلوبون يجب استمرار البحث عنهم وتسليمهم للدولة اللبنانية، ثالثها تنظيم اجتماعات دورية بين القوى الفلسطينية فيما بينهم من جهة وبين المسؤولين الأمنيين اللبنانيين ولا سيما مخابرات الجيش اللبناني من جهة ثانية، ويكون هناك اجتماعات دورية باستمرار لبحث كل المشاكل المتعلقة بالمحافظة على وحدة الموقف الفلسطيني وامن واستقرار المخيم، ووحدة الموقف الفلسطيني اللبناني الصيداوي اولاً باعتباره اساساً للأمن في لبنان كله وجزء لا يتجزأ من امن واستقرار لبنان الذي تحاول القوى التكفيرية والارهابية تخريبه لصالح اعداء لبنان واعداء فلسطين واعداء الأمة جمعاء، ورابعها بلسمة جراح سكان حي الطيري، وتسهيل عودتهم بأسرع وقت ممكن الى منازلهم.