عقدت «مؤسسة القدس الدولية» مؤخراً في دمشق، مؤتمراً لتأكيد الهوية العربية لمدينة القدس، شارك فيه العديد من الشخصيات الفلسطينية والعربية الرسمية، كما ألقيت في المؤتمر العديد من الكلمات التي أكدت في مضمونها دعم القضية الفلسطينية واعتبارها القضية المركزية وبوصلة المقاومة لمشاريع العدو الصهيوني الهادفة إلى تهويد مدينة القدس ومحو هويتها العربية، إضافة إلى مشاريع زيادة نسبة الاستيطان الصهيوني فيها تمهيدا إلى تغيير وجه ورونق القدس وتهويد النفحة الإيمانية الإسلامية والمسيحية من خلال الاعتداءات الصهيونية المتكررة على المسجد الأقصى وكنيسة المهد، ناهيك عن التعرض والتهديد المستمر بالاعتقال أو النفي إلى خارج القدس الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق رجال الدين المسلمين والمسيحيين في مدينة القدس.
أن تعقد «مؤسسة القدس الدولية» مؤتمرها لهذا العام في عاصمة الجمهورية العربية السورية التي عانت ولم تزل، من خيبات معظم العرب الذين خانوا فلسطين وشعبها الجبارين، أمر لافت ويجب التوقف عنده ملياً للمقارنة بين مدى الالتزام بمبادئ العروبة عند عرب النفط وعرب الرجعية الامبريالية عرب الذل والهوان، وبين الالتزام المتجذر عند عرب الممانعة والتصدي عرب مقاومة المشاريع الإسرائيلية الهادفة إلى تقسيم الأرض وضرب الهوية وتشريد وتشتيت المجتمع العربي، وإذا تأملنا جيداً بين مبادئ عرب الذل وبين مبادئ عرب الممانعة، سرعان ما يتكشف لنا الفرق بين عروبتنا وعروبتهم، أولئك الذين خانوا العروبة وأمعنوا بها طعناً وغدراً وخصوصاً بعد إثبات خذلانهم وتخليهم عن العروبة وعن فلسطين والوغول في مؤامراتهم على سورية جاعلين من أنفسهم أداة في إمرة الأميركي وفي خدمة العدو الإسرائيلي الذي وجد الفسحة المناسبة لينفَذ من خلالها إلى الجسد العربي ممارساً هوايته المفضلة بتمزيق ذاك الجسد العربي وتحويله إلى جثة ممزقة غارقة بحروب طائفية مذهبية إثنية عرقية لا يمكن التصدي لها في ظل الوهن الذي أصاب الموقف العربي وغياب أي مشروع نهضوي واضح يمكن من خلاله الإمساك بحبل النجاة وإنقاذ العروبة من التشرذم الذي أصابها وهذا ما ألحق الظلم بالعروبة لتتحمل أوزار الفساد والوهن والتآمر والهوان إضافة للافتئات والتزوير الذي مورس من بعض العرب وخصوصاً عرب النفط الخليجي لتبرير الجنوح نحو التطبيع ومد الجسور مع عدو الأمة والترويج لمبادرات استسلامية مع العدو الإسرائيلي وكل ذلك يجري التسويق له باسم عروبة الاعتدال في مواجهة عروبة الممانعة.
إن الفرق بين عروبتنا وعروبتهم بات واضحاً وضوح الشمس لا لبس فيه بيد أن عروبتهم اعتدت على العروبة بحد ذاتها وضربت أسسها وغيبت مفاهيمها، عروبتهم زورت التاريخ وحرفت الدين، عروبتهم تخلت عن القضية الأساسية لعرب فلسطين وأسهمت في بيعها وسعت للتحالف مع عدو فلسطين استرضاءً لأميركا وإسرائيل، عروبتهم أمعنت في خراب وتقسيم وتفتيت بلادنا العربية، عروبتهم خاضت حروباً قاسية على القومية العربية، عروبتهم من دون كرامة من دون تاريخ عروبتهم بلا إنسانية وبلا ضمير، عروبتهم كل شيء فيها قابل للبيع والمساومة، حتى الدين في عروبتهم تعرض للاغتيال والاغتصاب وسرقوا منه المبادئ وحرفوا حقيقية وأصول الدين، عروبتهم استبدلت الدين بفتاوى لا تمت للدين بصلة، عروبتهم جعلت من العروبة عروبة مجردة من أي تأثير في العالم، عروبتهم جعلت من العروبة في المعادلة الإقليمية والدولية تساوي صِفراً.
أما عروبتتا فهي عروبة مقاومة مشاريع الاستسلام والاستزلام، عروبتنا هي فخرنا عزنا كرامتنا شرفنا ثقافتنا أرضنا هويتنا تاريخنا مستقبلنا ونضالنا وقبلتنا وبوصلتنا، عروبتنا هي الفكر المنير التي تجمع ولا تفرق، عروبتنا هي مظلة النجاة التي تقينا من لهيب الطائفية والمذهبية والاثنية، عروبتنا هي العلم والمعرفة التي تحارب الجهل والضياع، عروبتنا هي مقاومة كل ما يهدد العروبة الحقيقية، عروبتنا هي التصدي لكل ما من شأنه تذويب العروبة، عروبتنا هي الاستمرار في النضال حتى نجعل من العروبة الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية والدولية، عروبتنا هي حبل النجاة الذي نتمسك به، عروبتنا هي الجمهورية العربية السورية المتمسكة بفلسطين.
إن التمسك بالهوية العربية ليس مجرد شعار نرفعه من دون العمل على تحقيقه وهذا الأمر يحتاج إلى التضحية في سبيل حمايتها والزود عنها والإيمان المشبع بمفهوم العروبة ومنع اختطافها أو تذويبها في تحالفات أو بمشاريع إسلامية أو دينية أياً تكن الجهة إضافة للالتزام بقيمها التي حفظت التاريخ المجيد للأمة العربية.
تلك العوامل هي العروبة المقدسة التي نفهمها والتي حافظت عليها وتمسكت بها الجمهورية العربية السورية على الرغم من الضغوط والمؤامرات التي حيكت ضدها من بعض العرب الذين باعوا المفاهيم الحقيقية للعروبة وتخلوا عن الالتزام بها ولم يبق من العروبة أو الهوية العربية في حساباتهم سوى الاسم المناط بهم زورا وبهتاناً.
إن معظم الفلسطينيين من الذين ناصبوا سورية ونظامها الخصومة خدمة لأجندات متأسلمة خارجية خليجية وأميركية باتوا يدركون تمام الإدراك أن استهداف سورية هو استهداف للقضية الفلسطينية تمهيدا لتصفيتها برمتها بتشجيع ومشاركة وتمويل من الرجعية الخليجية.
إن عروبتهم المعتلة والرجعية تركت فلسطين فأصابهم اللـه بالذل والضياع.
إن أبلغ الكلام هو ما تفضلت به مستشارة الرئاسة السورية بثينة شعبان حين قالت: «من أعز فلسطين أعزه اللـه ومن ترك فلسطين تركه اللـه».
نقول: إن عروبتنا هي عروبة الجمهورية العربية السورية التي تمسكت بفلسطين وأعزتها واحتضنتها ولم تتخل عنها، لذلك فإن اللـه أعز سورية العروبة ونصرها وسيسجل التاريخ هذا الانتصار ليبنى عليه مستقبل الأمة العربية وجعله مادة تدرس لأجيالنا العربية القادمة.