لم يعد غريبا في لبنان أن يتعرض حزب الله لحملات تجن وافتراء. سبق وان تعرض المقاومون لسهام جارحة جدا، طالتهم بشكل مباشر خلال الحرب التي شنتها اسرائيل عام 2006 على لبنان. يومها تكامل دور الميدان مع السياسة ونجح جسم الحزب في احباط أخطر مشروع أرادت تل ابيب فرضه في الجنوب. تحكي ساعات المفاوضات الطويلة التي شهدتها عين التينة تفاصيل أعنف المواجهات السياسية التي خاضها رئيس مجلس النواب نبيه بري ضد دول تبنّت الرأي الاسرائيلي بالكامل، وحاولت فرضه، لكنه سقط.
في لبنان لم تسقط الحملات ضد الحزب، حتى جاءت ازمات العالم العربي منذ 2011 لتزيد الهجوم المباشر على "حزب الله" الذي أكد انه ذهب يقاتل التكفيريين في سوريا، حماية لمجتمعاتنا. قيل يومها في لبنان انه تحول لمحاربة المعارضة السورية. لم تعترف قوى "14 اذار"حينها بوجود ارهابيين تكفيريين يتفرّعون عن مدرسة تنظيم "القاعدة" فكرا" ونهجا" وممارسة يرغبون بالتمدد نحو الاراضي اللبنانية. لكن بضعة اشهر فقط كانت كفيلة لثبيت وجهة نظر المقاومة، فوصلت "جبهة النصرة" ثم "داعش" الى الجرود اللبنانية الشرقية، وخطفوا جنودا، وقتلوا لبنانيين عسكريين ومدنيين، وارسلوا سيارات مفخخة الى كل الاراضي اللبنانية، وروعوا الاهالي في البقاع بالصواريخ العشوائية. لم يتوافر يومها القرار السياسي للجيش كي يقوم بدوره. مرّ لبنان حينها بأصعب مراحله، لوجود بيئة حاضنة منعت بشكل غير مباشر ضرب الارهاب قبل ان يتمركز ويهدد بالوصول الى الساحل اللبناني. يعرف اهالي عرسال والقاع ورأس بعلبك والفاكهة وباقي القرى المجاورة حجم المعاناة التي هددت وجودهم طيلة سنوات مضت. لكن الحزب الّذي احتضنه الاهالي هناك، دافع على طول مساحة الجرود، وخاض اعنف الهجمات ضد الارهابيين من الاتجاهين اللبناني والسوري، وقدمت شهداء وجرحى بالمئات، واستطاع اولا ان يوقف المد الارهابي، ثم دحره الى اضيق مساحة ممكنة. جاءت عملية فجر الجرود التي خاضها الجيش اللبناني تسجل انتصارا وطنيا، يكمل عمليا ما حققه المقاومون. هنا حصلت الترجمة الفعلية لمعادلة: الجيش والشعب والمقاومة.
في الساعات الماضية ازدادت الحملة السياسية على حزب الله، بحجة انه"حزب الله" فضّل ابعاد المسلحين الدواعش عن لبنان، لا المضي بالمعركة اللبنانية ضدهم. العنوان فضفاض، لكن ماذا في التفاصيل؟ بالطبع كل لبناني ينحاز ضمنا لوجوب قتل الدواعش بعد مجازرهم المروّعة وخصوصا بحق العسكريين. لكن ما هو رأي المؤسسة العسكرية؟ هل تفضّل خوض المعركة؟ ام تحقيق النتيجة بدحر الارهاب من دون خسائر بالارواح؟ هل كان لبنان عرف موقع جثث الشهداء من دون التسوية؟.
المعركة التي استعد لها الجيش كانت ستصل الى نتيجة حتمية: انتصار لبنان على الارهابيين. اولوية لبنان هي تحرير ارضه اولا، واعادة الممتلكات الى اصحابها، ودحر الارهاب التي تربّص باللبنانيين سنوات طويلة الى غير رجعة. ما قام به الحزب منذ اطلاق حربه ضد الارهاب في اول طلقة في سوريا، وصولا الى معارك القلمون وجرود عرسال هو الذي ساهم بانتصار الجيش اللبناني الآن، لأنه مهّد ميدانيا لاضعاف المسلحين في جرود رأس بعلبك والقاع بعد ضرب مسلحي جرود عرسال والقلمون. ومهّد من ناحية ثانية لفرض القرار السياسي للمؤسسة العسكرية التي كانت حاولت سابقا خوض الحرب الدفاعية من دون جدوى في ايجاد القرار السياسي.
آن اوان تشريح التفاصيل منذ عام 2011. من هو الذي دعم وساهم في تغطية المسلحين في الجرود ورافق نقل العسكريين في عملية خطفهم؟ من الذي منع الجيش من اداء دوره؟ من قلل من خطورة وجود الارهابيين؟ من وصفهم بالمعارضين السوريين الهاربين من "ظلم النظام"؟ من أعطى صك البراءة لمن تورّط في دماء الضباط والعسكريين سابقا يوم تعرضت مراكزهم لهجمات الارهابيين؟ والاهم من ينكر دور الحزب في حماية القرى اللبنانية، وخصوصا في اعوام 2013 و 2014 و 2015؟.
عودة بسيطة بالذاكرة الى تلك السنوات وحجم التضحيات التي قدمها الحزب الّذي قاتل بالنيابة عن كل اللبنانيين، كما قال بري، تكفي لتقدير المقاومين شركاء النصر الاساسيين في معادلة: الشعب والجيش والمقاومة. لا يجوز اليوم انكار تضحيات الشهداء والجرحى وعائلاتهم، في الجيش والمقاومة. الانكار يشبه ما حصل خلال وبعد حرب تموز عام 2006. المشهد نفسه يتكرر لمنع الحزب من استثمار النصر، رغم ان الاهداء دوما الى كل اللبنانيين.
الاخطر ان الحملات الداخلية على "حزب الله" يترافق مع ضغوط خارجية عليه. فهل الهدف اشغاله لاستهدافه؟ ام عرقلة انتصارات "محور" يمتد على مساحة المنطقة من العراق الى لبنان؟. مرة جديدة يعود الحديث عن سلاح الحزب لاستهدافه في السياسة بعد عجز الارهاب على النيل منه. تماما كما حصل في حرب تموز 2006.
قد تفي عبارة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالغرض، يوم قال للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد تحرير الجنوب عام 2006: يا سيد اسرائيل هُزمت، لكن علينا الّا نفرح كثيرا اننا سددنا هزيمة لها ونغرق في نشوة الانتصار، هذا امر اكبر من ان يتحمله العرب والمسلمون، وربما بعض اللبنانيين، أنا لست قلقا" لكني اشعر ان المسؤولية ستصبح أكبر بكثير".