سؤال كبير يُشغل الأوساط السياسية اللبنانية، ماذا بعد معركة جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع بنتائجها اللبنانية والإقليمية؟
بعيداً عما يُثار على المستوى الإعلامي، وهو في أحيان كثيرة لا يعكس حقيقة الواقع. فغالباً ما يتمّ التعاطي مع هذه المناخات الإعلامية بشيء من التساهل، إلا أنّ حقائق الأمر هي في مكان آخر. ذلك أنّ الوقائع أكدت أنّ التنسيق بين الجيش اللبناني والمقاومة مسألة لا غنى عنها لكلا الفريقين، كحقيقة أولى. وربما هي تستجيب لحاجة الجيش اللبناني أكثر مما هي لدى المقاومة. والحقيقة الثانية هي أنّ التواصل بين الجانبين اللبناني والسوري هو أمر واقع وأخذ مجراه على أكثر من مستوى عسكري وسياسي ويستجيب لحاجة الفريق اللبناني بما لا يقلّ عن حاجة الفريق السوري.
ما حصل يؤكد، وفق قطب سياسي بارز، صوابية رهانات حزب الله وخياراته. ويؤكد ما ذهب إليه بوضوح صارخ السفير الأميركي السابق لدى دمشق روبرت فورد أنه لا يوجد أيّ تصوّر لتحالف عسكري بإمكانه إزاحة الرئيس بشار الأسد، مضيفاً أنّ الجميع، بمن فيهم الولايات المتحدة، اعترفوا بأنّ الأسد باقٍ. وفي السياق عينه نقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن مسؤول سعودي قوله إنّ وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير أبلغ المعارضة السورية أنه حان الوقت لصوغ رؤية جديدة بشأن تسوية الأزمة في سورية ومستقبل الرئيس الأسد. هذا الكلام فُهم من المقصود منه، دعوة هيئة المعارضة إلى التعايش مع وجود الأسد في المرحلة الانتقالية.
هذه التطوّرات، يقول القطب السياسي، ليست إلا مؤشرات كبرى على مرحلة جديدة سيدخل فيها الوضع السوري والوضع العراقي بعد معركة تلعفر. يعني ذلك أنّ الجميع أمام مشهد إقليمي جديد. ويبدو أنه سيتوّج ضمن مسار الانتكاسات لفريق 14 آذار لبنانياً.
والسؤال كيف سيتعاطى الفرقاء اللبنانيون، وفي طليعتهم تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، هذا فضلاً عن الفرقاء الآخرين كحزب الله وحلفائه؟
في الإجابات، ثمّة فرضيتان، وفق القطب السياسي نفسه، تتعلق بحزب الله وحلفائه.
الفرضية الأولى تشير إلى أنه من الطبيعي على حزب الله أن يلجأ إلى تثمير المرحلة الجديدة والبناء عليها سياسياً باتجاه دفع السلطة في لبنان إلى مزيد من الاقتراب من خياراته، وفي طليعتها إعادة ترتيب العلاقات مع النظام السوري.
الفرضية الثانية تقول إنّ حزب الله بغنى عن زجّ الساحة السياسية الداخلية بمرحلة من الاشتباك السياسي والتصعيد الإعلامي الذي قد يؤذي استقرارالحكومة وحاجة البلد إلى حدّ أدنى من التضامن الداخلي في مواجهة الملفات الداخلية، وهي كثيرة. لا سيما أنّ حزب الله يرى بأنّ مسار التطورات على المستوى الاستراتيجي الإقليمي، سيفرض إيقاعه لاحقاً على الجميع لأنه يشكل محلّ الاشتباك الرئيسي، وبالتالي لا حاجة لمواجهات داخلية لبنانية تبدو صغيرة بالمقارنة مع ما يجري على مستوى المنطقة.
أما في ما يتعلق بفريق 14 آذار، فهو أمام خيارات جميعها إشكالي ومرتبك، يؤكد القطب نفسه. فهذا الفريق إما أنه سيصرّ على مواقفه بنَفَس تصعيدي وبنوع من المكابرة ودفن الرأس في الرمل أو أنه سيأخذ التطورات المشار إليها بعين الاعتبار، ويخفّف نبرته السياسية بطريقة متدرّجة.
وعلمت «البناء» في هذا السياق أنّ نقاشاً يجري في أوساط حزب القوات اللبنانية في ضوء التطورات الإقليمية التي بدأت تقلق الدكتور سمير جعجع وأنّ نصائح أسديت إلى معراب من قبل البعض للبدء بالتفكير في المخرج المناسب للاستدارة بطريقة حكيمة.