خضع تنظيم «داعش» للشروط التي حدّدها الجيشان السوري واللبناني والمقاومة، وأعلن استسلامه في جرود القلمون الغربي السورية، وجرود القاع ورأس بعلبك اللبنانية، بعد أن أدرك هذا التنظيم الإرهابي أنّ هناك مصيراً أسود ينتظر عناصره كوجوههم القبيحة السوداء. لكن امتلاك هذا التنظيم ورقة مصير العسكريين اللبنانيين الذين اختطفهم قبل ثلاثة أعوام، وفّر له ممراً آمناً الى مدينة البوكمال السورية.
اللافت، أنه منذ لحظة استسلام «داعش» في الجرود، أصبح البعض في لبنان يعرف فجأة بأنّ تنظيم «داعش» قتل عسكريين لبنانيين بعد اختطافهم، وصار يطالب بالاقتصاص من الإرهابيين، علماً أنّ هذا البعض بالتحديد لم يسبق له أن اعتبر الإرهاب إرهاباً! وما هو مدعاة عجب ومحلّ استغراب، أنّ هذا البعض «المنتفض» باسم الكرامة الوطنية، هو الذي قدّم الإرهابيين إلى اللبنانيين على أنهم «ثوار» أو تحت يافطة أنّهم نازحون. وهذا أمر يعرفه الكلّ، وتحديداً مَن كان في سدة الحكم والحكومة.
الجيشان السوري واللبناني والمقاومة سجلوا انتصاراً مكتملاً في معركة الجرود، وكلّ الأبواق التي تنطق خلافاً للواقع والحقيقة، وتحاول تشويه الانتصار لا بدّ أن تخضع للمساءلة والمحاسبة على قاعدة تحديد المسؤوليات وإجراء المحاكمات، لأنّ الروايات الصحافية والمعلومات عن قضية اختطاف العسكريين اللبنانيين، وكيف تمّ التعامل مع هذه القضية من قبل بعض اللبنانيين، تشي بأنّ هناك تعاطياً قاصراً متواطئاً، كان سبباً في إيصال العسكريين المختطفين الى مقصلة «داعش» الإجرامية!
هذا أمر غاية في الخطورة، ولا يجوز أن يمرّ وكأنّ شيئاً لم يكن. إنّ المطلوب معرفة الحقيقة كاملة حول ما جرى، ومعرفة كلّ تفصيل حال دون تنفيذ الجيش اللبناني لمهمة إنقاذ العسكريين المختطفين، علماً أنّ الجيش كان قادراً على ذلك ومستعدّاً ومتأهّباً، وأثبت ذلك في معركة الجرود.
هذا ما يجب التركيز عليه بعد انتصار الجرود، ومن غير المسموح أن يأخذ البعض المتورّط النقاش إلى مكان آخر، وأن يتنصّل البعض الآخر من أدواره السلبية، بذريعة الحرص الكاذب على عدم تعكير المناخ الوطني، وهو الذي استخدم لغة التحريض الطائفي والمذهبي لتقويض الوحدة الوطنية.
إنّ ألف باء الأخلاق الحقيقية والقيم الإنسانية، هو فعل المستحيل من أجل معرفة مصير جنود لبنانيين اختطفهم الإرهاب، حتى وإنْ كان الثمن ممرّ هزيمة للقتلة والمجرمين.
لقد أمضت عائلات الجنود الشهداء ثلاث سنوات في خيم الاعتصام، بانتظار معرفة مصير الجنود، فكيف لو دُفن سرّ هذا المصير مع الإرهابيين في الجرود؟
الأخلاقيات والقيم لها أهلها، ومَن لا يعرف الأخلاق لا يعرف الإنسانية. لذا كفى مزايدة، رأفة بوجع أهالي الشهداء وآلامهم.
أخيراً وليس آخرَ، الأفعال والمواقف الشائنة لا يجب أن تبقى بلا حساب. ومن حق عائلات الشهداء الضباط والجنود أن يتخذوا صفة الادّعاء الشخصي على كلّ مَن تواطأ وساهم وشارك في قتل أبنائهم.