الحدث الجلل لم ينته عند حزب الله ولا انتهت معه أصول الشرح والتوضيحات، ولا حتى الاحتفالات التي ستبدأ يوم بعد غد الخميس في 31 آب ذكرى الغياب المقدّس لمؤسس المقاومة السيد موسى الصدر، والحضور الصاخب بميادين الانتصار لرجالها. حزب الله الذي يعرف جيداً كيف يوزع طاقاته يعرف أيضاً كيف يوزّع على جمهوره محطات الفرح وكيف يذكرهم بما هم عليه اليوم طارحاً ضرورة ان تصبح هذه التواريخ أعياداً مباركة عند اللبنانيين، لكن هذه الانتصارات التي حققها حزب الله والجيش اللبناني معاً في جرود عرسال وجرود رأس بعلبك لم تكن لولا سورية.
يقول أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس لجمهوره وللبنانيين، وفي معرض شرحه عن تفاصيل المعارك التي دارت في الجرود، إن هذه الانتصارات ما كانت لتكون لولا سورية، فحتى لو كان الجيش اللبناني على أتم الاستعداد والجهوزية واستطاع دحر الإرهاب من الارض اللبنانية، الا ان هناك ما يضمن عسكرياً عدم رجوعهم الى لبنان فيما لو كانت الحدود من الجهة السورية لا تزال واقعة ضمن سيطرة التنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإن الجيش السوري الذي قرر خوض هذه المعركة حتى النهاية أعطى لبنان زخم الاستحواذ على انتصار.
هو الأمر الذي لا يستسيغه بعض اللبنانيين، لكن مصادر سياسية تؤكد لـ «البناء» أن «هذا الامر لن يطول وأن مسألة العودة الى سورية من بابها العريض باتت أقرب من أي وقت مضى وأن التنسيق الفعلي بين البلدين هو ما يحكم طبيعة الجغرافيا والحدود منذ ولادة حدود المنطقة الحالية. وتضيف المصادر لن تتأخر السفارات العربية وتحديداً الخليجية عن العودة لتفتح أبوابها في سورية، والأجواء تشير الى محاولة قطرية توحي الى نية اتخاذ مبادرة من هذا النوع، خصوصاً بعد المعلومات عن احتمال أن يتوجه أمير قطر لاتخاذ قرار بحجم الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، وعندها فهو يخرج عن أي ارتباط، لكنه في الوقت عينه يؤكد على انتهاج موقف سيقدم عليه الغرب تباعاً. وهنا يصلح أمام المسؤولين اللبنانيين تقبل ان تغير الموقف من سورية هو أحد المواقف التي سيضطرون إليها، ودمشق التي تدرك هذا تدرك أن أمن البلدين مشترك وتقدّم لحزب الله الذي تفوق في هذه المرحلة محلياً كل اعتمادات البناء على مرحلة مقبلة أكثر أمناً، وتسهيلات معارك الجرود في رأس بعلبك وعرسال خير دليل على الدور السوري المحوري في انتصار الجيش اللبناني».
يقول السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد للصحافة، إن الرئيس السوري بشار الأسد انتصر في الحرب التي «تخمد يوماً بعد يوم». هذه الحرب التي تخمد هي انتصارات من نوع آخر بالحساب السوري، فعدا كونها انتصاراً ميدانياً عسكرياً على كل مَن تآمر على النظام وتوعّد بمصير أسود، فهي واحدة من أوضح علامات الانتصار السياسي على الذين تآمروا أيضاً، وبينهم القوى اللبنانية التي دعمت بكل وسائل الدعم المجموعات المسلحة في الحدود، وأبقت على البعض داخل الحدود اللبنانية، وجزء كبير منهم يقطن ضمن مخيمات النزوح السوري. وفي هذا الإطار، فإن هذا التعافي الذي تعيشه دمشق اليوم ما هو إلا ترجمة لما قاله السفير الأميركي فورد الأكثر دراية بالخطة التي كلّف بتنفيذها في سورية والأعرف بحقيقة الأمور.
وبهذا الاطار تبدو مسألة سحب السفير من دمشق واقعة ضمن دور لا يزال مكلّفاً به. فبكل مناسبة أو توقيت يخرج السفير فورد ليزخم التقدّم العسكري السوري والروسي والإيراني في المنطقة وليزخّم خيار تأطير المعارضة السورية بنفس جديد وهو الذي تابعها وتابع تشكيلاتها وأمّن وسائل التمويل في سورية والخارج لتصبح كلماته موجّهة ضمن آلية عمل استخبارية معروفة الأطر.
الأمر نفسه ينسحب على السفراء الأميركيين في لبنان، وحالياً انكفاء السفارة الأميركية عن دعم حلفائها بمشروع «صاخب» المعالم في وقت تدرك السفارة أن الزمن هو زمن تقدّم حزب الله سياسياً في البلاد مع حلفاء قرّروا خوض غمار التجربة الجديدة بعد خروج سورية تحت عباءة التحالف مع المقاومة وحلفائها الجدد.
ربما لا يقبل بعض اللبنانيين مسار العملية التي أخذتهم نحو الانتصار، وربما يصعب الاعتراف بجميل لسورية في مثل هذه الأوقات، لكن الأكيد أن أمين عام حزب الله كرّر مشهدية تشبه لحظة التضامن مع سورية ووقفة الثامن من آذار، عندما شكر فيها الرئيس السوري بشار الأسد، وقال العبارة الشهيرة «شكراً سورية «، شكراً لسورية مرة جديدة على وقع إقفال ملف الحرب على الحدود، قالها نصرالله من جديد.
حقيقة العلاقة وقدر التنسيق وثبات نجاح التمسك بما تحكمه الجغرافيا أكثر ما أراد حزب الله الذي لامس الأرض في المعارك إحاطة الداخل المعترض فيه. وهو أغلب الظن بات مقتنعاً سراً بأن انتصار الجيش اللبناني كان يشبه المستحيل لولا تطهير الحدود السورية قبل أي شيء لأسباب علمية وعسكرية لا يمكن نفيها بأقل تقدير.