تحتفل الأمة جمعاء من بيروت إلى دمشق إلى بغداد بانتصار الجرود الذي حققه الجيشان السوري واللبناني والمقاومة، ونتيجة هذا الانتصار تحرير مساحات واسعة من الأرض السورية واللبنانية، ما يجعل تاريخ 28 آب 2017 مشابهاً لتاريخ 25 أيار 2000.
في العام 2000 اندحرت «إسرائيل» مهزومة وتحرّر معظم الأرض اللبنانية، وفي العام 2006 تكرّس التحرير بالانتصار. وفي العام 2017 انتصر لبنان في معركة الجرود، وهذا يؤكد أنّ ما حصل هو التحرير الثاني، كما أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.
لذلك، فإنّ الاحتفال بالنصر هو بمثابة تعبير عن التمسك بإرادة المقاومة والصراع، وعن حقيقة أننا قادرون على صناعة جديدة للحياة، معمّدة بالبذل والعطاء والتضحيات. وهذا ما يجب أن نرسّخه، لأنّ قاموس المناضلين لا يعرف اليأس والبؤس والهزيمة.
المرحلة الجديدة بعد الانتصار هي مرحلة ذات طعم آخر غير ما كانت الحال عليه سابقاً. من هنا، لا بدّ من تحديد بعض الاعتبارات الجديدة:
الاعتبار الأول يتمثّل بأنّ هنالك قدرة ومكامن قوة تمتلكها الأمة وتنتصر بها على أعدائها، وفي تاريخ الأمة انتصارات كبيرة، وأنّ هذه الانتصارات تتجدّد لتأكيد أننا قادرون على صناعة تاريخ جديد. لذا، فالاحتفالات هذه الأيام ليست فقط في الجغرافيا، إنّما هي في الوقت وفي التاريخ الذي يُصنع من جديد… ويبني ذاكرة جديدة لأجيال لم تولد بعد، كما يقول الزعيم أنطون سعاده. هذه الأجيال الجديدة قد وضعت حدّاً في الذاكرة القديمة ووضعت إشارات لزمن جديد.
إنّ المسألة ليست مسألة أدبية في الوقت الذي يهتزّ الأدب الجديد. إنّما جوهر المسألة يتمثّل في القدرة أولاً على هزيمة العدو «الإسرائيلي»، والقدرة على صناعة الزمن الجديد. في هذا الوقت نهزم الولايات المتحدة الأميركية، ونهزم الكيان الصهيوني فنتنياهو يعتبر نفسه بحسب «يديعوت أحرونوت» المهزوم الأول في تساقط داعش وأخواته ممّن امتهنوا قطع الرؤوس وأكل الأكباد.
المقاومون في جرود قارة والنبك ويبرود هم الذين يعبّرون عن وحدة الأهداف، كما قبضات رجال الجيش اللبناني والجيش السوري معاً، إلى أن تتلاصق أياديهم مع الجيش العراقي والجيش الأردني.
في هذه الأيام تذهب العلاقات المتوترة بين الأردن وسورية إلى علاقات متسامحة جديدة، ما يفسح المجال أمام التفكير الممكن، لأنّه بفعل الانتصارات قد تتوحّد الجيوش المختلفة وقد تتآزر قوى المجتمع.
بالفعل إنّه زمن جديد، لم يكن معهوداً إلا في الأيام السالفة، فلا بدّ من تقديم جديد للزمن الذي لم يعد إلا قديماً.
السلاطين والحكّام العرب يتساقطون الواحد تلو الآخر، بما يدعو إلى توجيه الدعوة للجميع من هؤلاء ليأخذوا العبرة من النجاحات الممكنة في الزمن الجديد. فالنجاحات تتمثّل بسناء محيدلي وبخالد علوان، بشهداء الحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة أمل وحزب الله والحزب الشيوعي وحزب البعث. كلّ هؤلاء اشتركوا في المقاومة وساهموا في صناعة زمن جديد نفتخر بأن نقدّمه للأجيال الجديدة.
إنّ ذلك كلّه يتركز بخطوات ثابتة يعبّر عن اختصار المراحل القديمة كلّها بمرحلة جديدة، هي الانتصارات الممكنة. فالنصر الذي صنعته المقاومة هو أكبر من انتصارات أولئك الراجفين على أبواب الإدارة الأميركية.
في زمن النصر نحيّي صنّاعه ونؤكد «أنّ زمن النصر قريب»… زمن النصر حقيقة.