لم يكتف وزير الخارجية اللبنانية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالخروج من بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح بتوجيه الإشادة والتبريكات لانتصار الجيش والمقاومة الذي لم يفرّقهما عملياً، فهو على ما يبدو قرّر فتح اكثر الملفات حساسية بالنسبة للبنان وامنه منذ سنوات فدعوته ستكون الأكثر بروزاً بالأشهر المقبلة، خصوصاً أن القضية تتعلّق بملف عين الحلوة.
يقول باسيل «علينا أن نستكمل بعد النصر برفض أي بؤرة إرهابية على ارض الوطن في المخيمات السورية، كما الفلسطينية، وأولها في عين الحلوة». ويضيف «اليوم هناك مشروع سقط وهو مشروع الإرهاب «وع قبال» أن يسقط مشروع النزوح وبعده التوطين وهي مرحلة سقطت فلا يحاولنّ أحد فتحها لأن مسارنا واضح».
ملف النازحين الذي عمل عليه باسيل بتفاصيله وتابع مع الامم المتحدة خيارات و«إغراءات»، منها الإبقاء على النازحين ضمن خطط اندماج داخل المجتمع اللبناني وهو التوطين «المقنّع» لقاء مبالغ مالية، ومن ضمنها خطط حملها بعض السفراء لمسؤولين لبنانيين ضمن جهود لم تتوقف تؤكد أن ملفات النزوح في لبنان بالنسبة للدول الكبرى هي أكثر ما يهمها استراتيجياً وأمنياً، خصوصاً الدول الأوروبية القريبة من لبنان. وهنا فإن أي اقتراب لحل الأزمة السورية يعني اقتراب فتح ملف النازحين السوريين واقتراب الحديث عن حلول او مخارج بينها التنسيق مع سورية ولإعادتهم إليها، ومن جهة أخرى الشق الأمني المتعلق بعدم السماح لتغطية الارهاب ضمن أعذار انسانية داخل المخيمات، وما ينطبق على السوريين ينطبق على الفلسطينيين بالنسبة لأي بؤرة تشكل خطراً امنياً.
و بهذا الإطار تشير أوساط تابعت الملف لـ«البناء إلى أن «كلام باسيل ولو جاء بالنسبة للبعض «حساساً» إلا انه من اهم ما يمكن الغوص فيه بالمرحلة المقبلة، لان الإبقاء على البؤر الامنية بالشكل الذي هي عليه، هو بحد ذاته تأطير لاحتلال من نوع آخر للإرهاب بالعمق اللبناني الذي يقطن داخل المخيمات الفلسطينية ومخيمات النزوح السوري ضمن عناوين إنسانية وجزم المصدر بأن أبناء عين الحلوة أكثر مَن يتمنّون التفاتة من الدولة اللبنانية لتخليصهم من هذا الضياع الذي يعيشون فيه وحجم القلق الذي يعبث بأمنهم وحياتهم يومياً». وتختم الأوساط «لا يمكن تكريس أي انتصار أو الحفاظ عليه من دون حل هذا الملف، خصوصاً مخيم عين الحلوة الذي كاد الإرهاب فيه أن يشوش على الجيش اللبناني والعمليات التي كان يخوضها في جرود رأس بعلبك، وبالتالي حرف الأنظار عن هذا الانجاز الكبير».
كلام باسيل الذي لا يبدو انه كان ممكناً في المرحلة السابقة هو بحد ذاته اشارة الى ان شيئاً ما قد تغير في ادارة العملية السياسية. وهو بطبيعة الحال جزء لا يتجزأ من الشعور بفائض قوة بثّها وصول مرشح التيار الوطني الحر لرئاسة الجمهورية، ومن جهة أخرى تكريس لانتصار تحالفات التيار التي فرضها حزب الله من خلال معاركه الإقليمية التي أدّت بنهاية المطاف الى فرض اتفاق سياسي محلي وازن بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء. وهو الأمر الذي كان بعيداً في مرحلة عام 2012 وما بعدها.
وعلى أن الوزير باسيل لا «ينطق من فراغ»، فإن إمكانية طرح هذا الملف في مجلس الوزراء يُضاف إليه ملفا النزوح والتوطين، باتت أقرب عملياً، خصوصاً أنها ليست المرة الاولى التي يوحي فيها باسيل بضرورة حسمها في اجتماعاته. وبهذا الإطار يؤكد مصدر أمني رفيع المستوى أن المعركة المقبلة ستكون مخصّصة لفتح ملف عين الحلوة على مصراعيه. فالأجهزة الأمنية غير راضية على بقاء الوضع، كما هو عليه بشكله الذي يستنزف لبنان وأن أحداً لا يمكنه إعادة عقارب الساعة الى الوراء، إذا قرر الجيش اللبناني أي قرار مناسب. فملف عين الحلوة هو أولوية تسعى الاجهزة الامنية للتوصل لمخارج تحفظ الأمن اللبناني الفلسطيني المشترك.
سياسياً، تشي هذه التطورات بالمواقف المحلية من قوى سياسية بارزة وفاعلة حكومياً إلى ان التحضيرات لمرحلة جديدة ستطل على سورية أصبحت هي الطاغية على نشاط الأفرقاء الذين يدركون المسؤولية السياسية والأمنية الموضوعة على عاتق اللبنانيين من الآن حتى ذلك الحين، لكن بات ممكناً قياس درجة الارتياح مع النتيجة التي وصلتها سورية عند فريق دون الآخر فبات طرح مشاريع من نوع حلحلة ملفات النزوح والمخيمات دليلاً مباشراً على قوة الاقتراح المدعوم بظروف مؤاتية سياسياً ودولياً. وبالعودة لموقف باسيل الذي يُقرأ في إطار حديث صادر عن وزير خارجية لا لاعب سياسي محلي، فإن هذا يؤخذ بعين الاعتبار بالأروقة الدبلوماسية كموقف لبناني رسمي يفرض على الدول الغربية والأوروبية التي تدرس خيارات متعددة بشأن النازحين في لبنان والاردن وتركيا الأخذ بعين الاعتبار استحالة العودة للضغط على لبنان من بوابة التحضيرات لمؤتمر حل سياسي لسورية، يكون فيها بند النازحين بين توطين أو دمج خياراً مطروحاً في لبنان او على الأقل توقع معركة دبلوماسية وسياسية مع لبنان الذي يحسم هذه المسائل كبديهيات. وعلى هذا الأساس يصبح موقف لبنان بلسان باسيل أحد المواقف «الاستباقية» التي تحمي لبنان من هذه الخطط على مقربة من اختتام جروح كثيرة شأنه شأن حرب حزب الله «الاستباقية» بما يتعلق بدخوله سورية استشرافاً لمخاطر حدودية مقبلة ضمن خطط بعيدة المدى.