معركة طرد الإرهاب من الجرود اللبنانية ـ السورية، ليست مجرد معركة انتصرت فيها المقاومة والجيشان اللبناني والسوري، بل هي ملحمة بكلّ ما للكلمة من معنى، فنتائجها غيّرت موازين ومعادلات، وأفشلت مخططات وأسقطت مشاريع وكشفت متورّطين ومتواطئين وأبواقاً مأجورة… وفي المستقبل لا بدّ أن يتكشّف الكثير من الأدلة والحقائق حول ما كان مرسوماً للبنان، انطلاقاً من الجرود، وكيف دشّم الإرهاب مواقعه هناك وحصّنها بالعديد والعتاد، تارة تحت مسمّى «ثوار» وطوراً بلبوس نازحين، وكلّ ذلك بتغطية من جهابذة قوى 14 آذار الذين يتنفّسون «سيادة» بنكهة الخضوع والضعف والهوان.
ما قبل تحرير الجرود كانت عشرات المناطق اللبنانية، تحت مرمى قذائف الإرهاب ومفخّخاته القاتلة، وكان مشروع الإرهاب يرسم جغرافية إمارته وحدودها ومنفذها البحري، وكان الذين يدورون في فلك رعاة الإرهاب، ينتظرون ساعة الصفر، لبدء مرحلة «حكم الإخوان» في لبنان، بعدما فشل هذا المشروع في سورية، بفعل صمود سورية رئيساً وقيادة وجيشاً وشعباً، وإمساكها بزمام المبادرة في الميدان، محققة الانتصار تلو الانتصار على المجموعات الإرهابية، وبفعل سقوط مركز «دولة الخلافة الداعشية» في الموصل العراقية.
أما بعد معركة الجرود فقد تهاوى مشروع الإرهاب ووُئدت أحلام الإرهابيّين، وانتصر لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته وخياراته السياسية وثوابته الوطنية، وصار للتحرير الأول نظيرٌ سُجّل في الجرود باسم التحرير الثاني، تحرير يفوح منه عبق الدماء الزكية التي بذلها أبطال المقاومة والجيش اللبناني، الذين افتدوا لبنان وصنعوا نصره الجديد وعزّه وكرامته.
نصر لبنان تحقق بالدماء والتضحيات. وهو بلسان مَن صنعه نصر مؤزّر وتحرير ثانٍ، ما يضع المشكّكين والمشوّشين في موضع الشبهة، ويكشف محاولاتهم التضليلية الدنيئة لمآرب معروفة، وبأنّهم لا يزالون يضعون كلّ رهاناتهم في سلل المشاريع الخاسرة المشبوهة.
اليوم، وفي مدينة بعلبك، تقام احتفالية النصر تحت اسم «مهرجان التحرير الثاني»، وفي هذه الاحتفالية ستكون الكلمة الفصل، التي تؤكد بأنّ الأخلاق والقيم هي أن لا نخرج من المعركة بانتصار غير مكتمل، وأنّ النصر تحقق ناجزاً وكاملاً بمعرفة مصير العسكريين المختطفين الذين قتلهم الإرهاب، حتى وإنْ كان ثمن هذا المصير الذي يعني ويهمّ عائلات العسكريين، وكلّ اللبنانيين، السماح لمن تبقى من إرهابيّي الجرود بالمغادرة مطأطئي الرؤوس.
إنّ معرفة مصير العسكريين مسؤولية أخلاقية نبيلة. وهذه المسؤولية أخذتها المقاومة على عاتقها وتعتز بها، وأخذها قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون بصدره وأعلنها بكلّ وضوح، لذلك فإنّ الجعجعات التي لا تأبه بمعرفة مصير العسكريين لا تمتّ بصلة إلى الأخلاق والإنسانية، ولولا التضحيات الجسام والإرادة المصمّمة ودماء الشهداء لما حقق لبنان هذا النصر العظيم على الإرهاب المقيت.