تتحدث الانجازات التي حققها الجيش اللبناني عن نفسها ولا يمكن لاحد ان يتخطاها او يشكك بها، ولعل الاشادات الدولية خير دليل على ذلك. في المقابل، ليس خفياً على احد ان اسرائيل لا ترغب وتخشى بشكل كبير ان يكون الجيش قادرا ًعلى مواجهتها من منظار التجهيزات والاسلحة، وهي تتلطى بـ"فيتو" دولي على امداده بالاسلحة البديهية التي يتمتع بها اي جيش في العالم، تحت ستار منع "التفوق العسكري" علماً ان الجيش الاسرائيلي يتمتع بميزة الاسلحة النووية، فأي تفوق يمكنه ان يكسر هذا الامتياز؟.
واليوم، بعد الانجاز الجديد الذي حققه الجيش بتطهيره الاراضي اللبنانية من تنظيم "داعش" الارهابي (عسكرياً بسقوط الاراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم)، عمدت اسرائيل الى الاعتدء عليه انما سياسيا ًودبلوماسياً، في حملة مدروسة ومعروفة الاهداف. وبعد فشلها الذريع في تأليب الاميركيين والاوروبيين على الجيش من خلال اتهامه بتزويد حزب الله بالاسلحة والعتاد التي تصل اليه عبر واشنطن وعواصم اوروبية، ها هي اليوم تعود الى النغمة نفسها انما من خارج بدعة السلاح بالقول ان الجيش "مخترق" من حزب الله وينفذ اوامره واوامر الايرانيين، وعلى العالم اجمع والامم المتحدة ان تتدخل لوضع حد لهذا الامر.
والتدخل الاممي بالنسبة الى اسرائيل يعني اولاً وآخراً تقويض نفوذ الجيش وسلطته وقدراته، بحيث يتحول الى شرطة داخلية لملاحقة المجرمين والخارجين عن القانون، اي ان يصبح جهازاً امنياً وليس جيشاً عسكرياً. هذا الامر يرضي اسرائيل لسببين: الاول انه يحيل انظار العالم عن الجيش ويخفف احترامهم له، والاهم انه يسمح بعودة البلبلة واللااستقرار الى لبنان، وذلك يزرع الشك في نفوس شريحة من اللبنانيين تختلف مع حزب الله سياسياً وفكرياً، فترى في الجيش امتداداً امنياً للحزب، فيفقد الثقة الجامعة به ويتحول الى طرف في ازمة لبنانية سياسية وامنية.
ولكن هذه الحركة الدبلوماسية الاسرائيلية محكومة بالفشل، ليس فقط لان اللبنانيين يدركون ما يقوم به جيشهم ويمحضونه الثقة الكاملة فيما خص الدفاع عن مصالحهم امنياً وعسكرياً، انما ايضاً بسبب ردة فعل حزب الله من جهة والمجتمع الدولي من جهة ثانية. فمن جهة الحزب، عمد الى استيعاب الحملة التي شنّت عليه لجهة التقليل من اهمية دور الجيش في تحرير الاراضي اللبنانية، فشهد امينه العام ان ما قام به الجيش لتحرير الاراضي اللبنانية كان لوحده فيما كان الحزب والجيش السوري يعملان من الجانب الآخر اي عبر الاراضي السورية. وغالباً ما يحرص الامين العام للحزب على الاشادة بالجيش وضرورة تجهيزه بالاسلحة والعتاد المناسبين ليلعب دوره الفاعل على الحدود، وهذا كلام من شأنه ان يجمع اللبنانيين حول الجيش ولا يشتتهم، لان دعم الطائفة الشيعية للجيش يصب في الخانة نفسها للدعم المسيحي والسنّي والدرزي وباقي الطوائف لهذه المؤسسة العسكرية.
اما ردة فعل المجتمع الدولي فتعود الى الحرص على الاستقرار في لبنان، وهو امر لا يتحقق الا بوجود الجيش القوي وقد اختبر الجميع مدى التفلت وعدم القدرة على ضبط ما يمكن ان يحصل اذا حلت الفوضى في لبنان. كما ان تواجد روسيا عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً على الحدود اللبنانية لن يدع مجالاً لاحد، وحتى لاسرائيل، ان تعبث بالمخطط الموضوع للمنطقة والذي يتضمن استقراراً لبنانياً، فروسيا لن تفضّل مصلحة اسرائيل على مصالحها، كما ان الاميركيين ليسوا قادرين (اقله حالياً) على زعزعة المشروع الروسي في المنطقة والذي حظي بموافقتهم (ولو على مضض)، وموافقة باقي الاطراف، فكيف يمكن لاسرائيل ان تواجه هذا التكتل الدولي؟.
من المنصف القول ان المحاولات الاسرائيلية للاعتداء على الجيش من خلال الدبلوماسية والصراخ السياسي، سيكون مصيره على غرار الصراخ الاسرائيلي بالنسبة الى اتهام الجيش بتمرير الاسلحة التي يحصل عليها لحزب الله، وعلى المسؤولين الاسرائيليين التعايش مع فكرة خوضهم مرة جديدة معركة خاسرة...