عرقل طيران التحالف الدولي "تسوية داعش" من أن تصل لخواتيمها. لا تزال حافلات مسلحي التنظيم الإرهابي وعائلاتهم متوقفة في الصحراء، بمعزل عن أنّ حزب الله والدولة السورية وفيا بالتزامهماالقاضي بعبور الباصات من منطقة سلطة الحكومة السورية من دون التعرّض لها. ويؤكدان أنّ الجزء المتبقي من الباصات وعددهم ستة ما زال داخل مناطق سلطة الحكومة، وسيبقى في دائرة العهدة والالتزام.
ويؤكد مصدر سياسي بارز على صلة بحزب الله لـ "البناء" أنّ الأميركي أراد بفعلته فرملة انتصار المقاومة والجيش اللبناني في معركة تحرير الجرود. لم يكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يعلن الانتصار على الإرهاب، وانتهاء احتفال حزب الله بيوم التحرير الثاني، الخميس الماضي في بعلبك، حتى قرّر التحالف الدولي الدخول على خطة عرقلة التسوية بشنّه غارة جوية، لمنع تقدّم حافلات تقلّ مسلحين من تنظيم داعش، آتية من لبنان ومتجهة نحو شرق سورية.
وفق المتحدّث باسم التحالف الدولي، فإنّ "الاتفاق بين حزب الله وتنظيم داعش يقوّض الجهود لمحاربة هذا التنظيم، وأنّ ادّعاء حزب الله محاربة الإرهاب يبدو فارغاً، عندما يسمحون لإرهابيين معروفين بالمرور في أراض تحت سيطرتهم؟ داعش هو تهديد وإعادة نقل إرهابيين من مكان إلى آخر ليس حلاً دائماً"، علمأ أنّ 300 مقاتل يحملون سلاحاً خفيفاً منهكي القوة ومستنزفين، لن يقلبوا، وفقمصادر ميدانية، الميمنة على الميسرة في ضوء طبيعة المعارك التي تخاض في البادية بأعداد كبيرة وسلاح حاسم.
ينسجم موقف التحالف الدولي إلى حدّ كبير مع تأكيد مصادر ذات صلة بالأميركيين لـ "البناء" أنّ واشنطن لن تسمح بترحيل مسلحي داعش إلى البوكمال، من منطلق رفض الحكومة العراقية، المدعومة من أميركا، لتسوية الجرود.
اكتشف طيران التحالف، فجأة ومن دون سابق إنذار، أنّ لديه القدرة على إيقاف القوافل وقصف الجسور من دون أن يعمد إلى ضرب داعش مباشرة، وكأنّ الهدف ليس القضاء على عناصر هذا التنظيم في قافلة الحافلات، إنما خلق نوع من الاستفزاز الإعلامي السياسي من خلال إيقاف القافلة وتسليط الأضواء عليها، لكي تشكل عامل إحراج يستنزف النصر الذي حققه حزب الله والجيش السوري في الجرود ويضعه وحلفاءه في موقع المتهم والمتواطئ مع "داعش". يؤكد المصدر المقرّب من حزب الله. فالتحالف الدولي الذي أعلن أنه ضدّ داعش منذ العام 2014 لم يعترض قافلة واحدة من آلاف القوافل التي كانت تعبر الصحراء سواء في العراق أو في سورية ذهاباً وإياباً، في وقت، أشارت صحيفة "واشنطن بوست"، أول أمس الأحد إلى أنّ أغلبية المقاتلين الأساسيين نزلوا من الباصات ووصلوا إلى "راوة" و"عانه" غرب العراق سالكين الطرقات الفرعية.
ويشدّد المصدر نفسه على أنّ نقل المسلحين الإرهابيين يتمّ من أرض سورية إلى أرض سورية. الحكومة السورية شريك في الاتفاق مع حزب الله. وبالتالي هذا حق سيادي لبناني - سوري، والتحالف الدولي لا يملك شرعية ولا تفويضاً من الأمم المتحدة لكي يعترض اتفاقاً أنجزته دولة صاحبة سيادة معترف بها من الأمم المتحدة.
يتابع المصدر تفنيد الوقائع. فمنطقة البوكمال في ريف دير الزور السورية، تبعد عن العراق بضعة كيلومترات، والجيش السوري وحزب الله باتا على مشارف دير الزور. وإذا لم يجهزا على المسلحين في الجرود، فإنّ إجهازهما عليهم سيتمّ في المنطقة التي رحِّلوا إليها. لذلك فإنّ ما حصل (التسوية) لا يتعدّى نقل ساحة المواجهة.
إنّ اطلاق سراح أسير المقاومة أحمد معتوق وكشف مصير العسكريين اللبنانيين الحلقة المركزية الأساسية لعملية الجرود، وتوفير المزيد من الدماء على الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة وتحقيق الإنجاز ما بعد التسوية بخسائر صفر. هذه الأسباب مجتمعة، كافية لتبرير تحقيق الانتصار بجزئه الثاني بكلفة محدودة، بعدما تحقق الجزء الأول بدماء وتضحيات الأطراف الثلاثة، بكلفة أعلى، يرى المصدر نفسه.
لقد أنجز حزب الله والجيش السوري عشرات العمليات المشابهة لعملية الجرود لتحقيق الأهداف العملية (تبادل أسرى واستعادة رفاتات) من دون ربط ذلك بثأرية أو انتقام.
يؤمن حزب الله من منطلق ثقافته الإنسانية والعقائدية والأخلاقية بالوفاء بالعهود. لا يملك مشروعاً انتقامياً يقتل فيه لمجرد القتل. ليست المرة الأولى التي تحصل فيها عمليات تبادل. الجيش السوري وحزب الله اعتادا على ذلك، بيد أنّ تنظيم داعش كسر عقيدته وفاوض للمرة الأولى مهزوماً وذليلاً. والوقائع أسقطت ما يسمّى "مسلماته وثوابته" كلها.