يطوي المدير العام للأمن اللواء عباس إبراهيم الصفحة الأخيرة من ملف العسكريين، الذين كانوا مختطفين لدى تنظيم "داعش" الإرهابي.
إقفال الملف يتم بألم وحسرة، بعدما بات محسوماً أنّهم استشهدوا، وبُذِلَتْ جهود منذ جريمة الاختطاف من أجل معرفة مصيرهم، بل إنّ أحد أسباب الموافقة على خروج مجموعات "داعش" من جرود رأس بعلبك والقاع، كان مقابل كشف مصير العسكريين المختطفين، حيث كان الإرشاد إلى حفرة تضم رفاة.
ويؤكد اللواء إبراهيم أنّ "هدفي كان معرفة مصير العسكريين بأقل كلفة ممكنة وحقّقتُ هذا الهدف".
ويبقى ملفان هامان، هما: النزوح السوري إلى لبنان، والوضع الفلسطيني، ولكل منهما طريقته بالمعالجة.
فقد تقبّل اللواء إبراهيم التهاني بعيد الأضحى المبارك في دارته بكوثرية السياد - قضاء صيدا، من فاعليات وشخصيات ووفود جنوبية ولبنانية وفلسطينية تنوّعت بين روحية وسياسية وأمنية وعسكرية وحزبية وفصائلية، وبلدية واختيارية وشبابية، فضلاً عن سفراء ودبلوماسيين، وكذلك وفد من جمعية "بيت الطلبة" في الغازية برئاسة بلال غدّار، يمثّل شبان من عائلات البلدة كافة، دعاه لرعاية "ماراثون الجنوب الدولي الثالث" الذي يُقام خلال شهر تشرين الثاني المقبل.
بين الاستقبال، يُحيط به والده الحاج كاظم إبراهيم وعقيلته غادة، كان اللواء إبراهيم يتلقّى اتصالات هاتفية من قيادات على الساحة اللبنانية وخارجها، مهنئةً بالعيد المبارك.
تقديم للتهاني بالعيد، وحديث تجاوز المناسبة للشد على يدَيْ الممسك بملفات هامة ودقيقة وحسّاسة في لبنان، أُنجِزَتْ غالبيتها أو تكاد، وإنْ كان آخرها ملف العسكريين المختطفين لدى "داعش"، والذي هو في المسار الأخير لإقفاله، وإنْ كان بنتيجة مؤلمة، حيث لم ينقطع التواصل مع أهالي العسكريين لمواساتهم في عيد الأضحى، وما يعنيه من بذل وتضحية، شادّاً على أيديهم، ومنوّهاً بصبرهم وحكمتهم، وحقهم بمعرفة الحقيقة في مصير أبنائهم.
الضابط الذي التحق بالمؤسّسة العسكرية، مقتدياً بشعار التضحية والفداء للحفاظ على الشرف والوطن، يدرك أنّ حياة العسكري هي فداء للوطن والذود عن حياضه على الحدود وفي الداخل، في مواجهة العدو الإسرائيلي وكل مَنْ يحاول المس بالأمن والاستقرار من خلايا إرهابية وليدة المراحل.
اللواء إبراهيم هدف دائم لمخطّطات الشبكات التجسّسية والإرهابية، وقد نجا من محاولات اغتيال عدّة من خلال "الأمن الاستباقي" الذي اعتمده وأصبح قائده، فأنقذ حياة قيادات بارزة والبلاد والعباد.
يجزم اللـواء إبراهيم بأنّ "الجثامين الثمانية هي للعسكريين المختطفين، ولا مجال للشك بذلك، ولكن يجب إنتظار انتهاء فحص الـ DNA، وهو موضوع علمي بحت، قبل تسليم الرفاة إلى عائلات الشهداء، وتشييعهم في يوم وطني، فهم كانوا في مهمة وطنية يدافعون عن الوطن، واستشهدوا في مواجهة مجموعات "داعش" الإرهابية التي ارتكبت جريمة بإعدامهم".
وعلمت "اللـواء" بأنّ فحص الـ DNA حسم نتيجة 7 رفاة بأنّها تعود إلى عسكريين وبقيت الرفاة الأخيرة لإصدار نتائج الفحوصات المتوقّعة خلال الساعات القليلة المقبلة.
ويولي اللواء إبراهيم الملف الفلسطيني كل اهتمام منذ أنْ كان رئيساً لفرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب في العام 2005، وبقي يتولّى مسؤولية هذا الملف، سواء أثناء توليه منصب مساعد مدير مخابرات الجيش اللبناني أو مديراً عاماً للأمن العام.
وبات يمتلك دراية كاملة بالملف، وكيفية سحب صاعق التفجير، قبل انفجار العبوة من خلال إيمانه بمعالجة الملف رزمة واحدة، وليس اقتصار الأمر على الزاوية الأمنية، وقد نجح في تجاوز قطوعات حسّاسة مرَّ بها الملف الفلسطيني، على الرغم من محاولات البعض الدخول على الخط، ما أحدث "بارازيت" سرعان ما تلاشت "ذبذباته".
وسائل المعالجة متعدّدة، وقد تسارع إلى ذهن البعض خيارات سريعة أسهل باستخدام السلاح والعنف، لكن نتائج ذلك كارثية وسلبية، ليس على المخيّم فقط، بل على الجوار وتهديد أمن واستقرار لبنان.
بينما يمتلك اللواء إبراهيم رؤيته وأسلوبه الخاصين، فقد كان أوّل مَنْ فتح "كوّة" في جدار العلاقات اللبنانية - الفلسطينية يوم دخل إلى مخيّم عين الحلوة (30 تشرين الأول 2006) ملتقياً ومحاوراً الفصائل الفلسطينية، كأوّل مسؤول أمني رسمي يدخل إلى المخيّم انطلاقاً من مهمته، ليس فقط بالدفاع، بل بتذليل العقبات وصولاً إلى تحقيق النتائج المرجوّة دون إراقة دماء، وهو ما جرى، حيث كانت النتيجة انتشار الجيش اللبناني في منطقة تعمير عين الحلوة (25 كانون الثاني 2007)، وإفشال مخطّط "جند الشام" بالتفجير لتخفيف الضغط عن مجموعة "فتح الإسلام" الإرهابية، عندما اعتدت على الجيش اللبناني (20 أيار 2007) في مخيّم نهر البارد، فجرى فك "مقطورة" عن قطار التنظيم الإرهابي، قبل التمكّن من القضاء عليه (2 أيلول 2007)، على الرغم من الضريبة الغالية التي دفعها الجيش شهداء وجرحى وتدميراً للمخيّم.
وكذلك أنقذ مخيّم عين الحلوة، الذي وصفه بأنّه "طائرة مخطوفة" بعد تسلّم عبد الرحمن عوض إمارة "فتح الإسلام" خلفاً لشاكر العبسي، ونجح مع المخلصين بسحب صاعق التفجير من المخيّم، حيث قتل عوض في شتورا (14 آب 2010) مع مساعده غازي فيصل عبدالله (مبارك).
ألغام عديدة تمكّن اللواء إبراهيم بتنسيق مع القوى الفلسطينية من إبطال مفعولها، وليس آخرها باعتماد "القوّة الناعمة" التي أفضت إلى عمل أمني نظيف بتوقيف الرأس المدبّر في "شبكة الربيع" بتفجيرات "شهر رمضان" الإرهابية خالد محمد مسعد (المعروف بالسيد)، الذي جرى تسليمه بتنسيق بين "عصبة الأنصار الإسلامية" وحركتَيْ "فتح" و"حماس" والقوى الفلسطينية (1 تموز 2017).
إذاً الحل ممكن بتعاون لبناني - فلسطيني، يؤدّي إلى تنفيذ الفصائل والقوى الفلسطينية للاتفاقات التي عُقِدَتْ سابقاً، فهي ليست بحاجة إلى اتفاقات جديدة، بل تنفيذ ما اتُّفِقَ عليه سابقاً، ما يعطي النتائج المرجوة من خلال تحديد المسؤوليات، ورفع الغطاء بشكل عملاني عن المخلّين بالأمن، والضرب بيد من حديد على مَنْ يحاول التوتير، حتى لا "يفلت الملق"، خاصة أنّ هناك مصلحة لأطراف محلية وإقليمية ودولية لتحريك الوضع في مخيّم عين الحلوة بعد الخسارة التي مُنِيَ بها إرهابيو "جبهة النصرة" و"داعش".
في المقابل، أنْ يكون هناك تنفيذ ما وعدت به الأطراف اللبنانية للفصائل والقوى الفلسطينية، بإنهاء ملفات البعض الذين وردت أسماؤهم في بلاغات بحثٍ وتحرٍ، جرّاء إشكالات فردية أو إطلاق نار، والتي تُصنّف في خانة الجنح وليس الجرائم الجنائية.
يقول المثل: "أعطي خبزك للخبّاز لو أكل نصه".. لكن اللواء إبراهيم (إبن نقيب أصحاب الأفران في لبنان منذ عقود الحاج كاظم إبراهيم، الذي عرف كيف يحافظ على تأمين الخبز في أصعب الظروف وأحلكها، وصون حقوق أصحاب الأفران، دون أنْ يكون ذلك على حساب المواطن) خبر عن كثب كيفية المحافظة على "الخميرة" لخبز صالح، يصبح المثل "خذ خبز محمّر ومقمّر وبكمية كاملة مع حبة بركة السياد".