لم تتضح صورة التحالفات الانتخابية في لبنان حتى الساعة. القوى السياسية تؤكد في العلن أن الوقت لا يزال مبكرا" لحسم طبيعة التحالفات، لكنها تسعى في السر الى التقاط الاشارات السياسية المبنية على جهوزية وحراك في كل اتجاه. أن يزور رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية جزين ويلتقي المرشح ابراهيم سمير عازار، يعني أن زعيم "المردة" اتخذ قرار توسيع دائرة تحالفاته من الشمال باتجاه الجبل والجنوب والبقاع. ستكون حملته الانتخابية وطنية لا مناطقية شمالية. لذلك لن تبقى زيارة فرنجية خارج نطاق دائرته الانتخابية يتيمة. هو على تواصل مفتوح و تنسيق كامل مع شخصيات سياسية في كسروان وزحلة ودوائر اخرى، توحي جميعها بأنه قرر خوض مواجهة سياسية مع "التيار الوطني الحر" في الانتخابات النيابية. قد يكون الهدف الاستراتيجي عند فرنجية التحضير للانتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. يعزز هذا التوجه المتقدم الحاصل في العلاقة المستجدة بين "المردة" و"القوات". لن يبقى زعيم "المردة" أسير دائرة زغرتا، سيخوض معارك انتخابية قاسية في دوائر عدة، يخطط للخروج بعدها مع حلفائه المسيحيين بحصة نيابية وازنة تفرض فرنجية رقما صعبا في الحكومة والانتخابات الرئاسية.
نجح زعيم "المردة" في تقديم نفسه سياسيا معتدلا في المساحة الاسلامية، من دون ان يقدم تنازلات سياسية جوهرية، لا حول المقاومة، ولا بشأن سوريا في اصعب الظروف. بل ثبّت مسبقا موقعه في طرابلس وعكار تحضيرا لمعركة انتخابية مقبلة سيكون فيها "البيك" مرتاحا نسبيا. لن يكفيه ذلك لحصد النتائج، خصوصا أن العلاقة القائمة بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل" توحي بالحلف الانتخابي الاكيد بين "الازرق" و"البرتقالي" في الاستحقاق النيابي. هذا الحلف الثنائي سيقود فرنجية الى تأسيس تعاون على الاقل مع القوات في بعض الدوائر، في ظل احتضار "النوايا" بين "القوات" و"التيار الوطني الحر".
الحديث حول الحصص سابق لآوانه قبل شهر شباط المقبل. لكن المؤشرات السياسية توحي حتى الساعة أن اللعبة الانتخابية مفتوحة على مفاجآت، ولا يبدو محسوما حتى الآن الاّ الحلف القائم بين حركة "امل" و"حزب الله". تلك المؤشرات نفسها، توحي أن "القوات" ستتحالف مع الحزب "التقدمي الاشتراكي" في الشوف وعاليه، مقابل التيارين "الازرق" و"البرتقالي". بينما سيكون خيار "الثنائي الشيعي" حاسما بميل الكفة الى أي فريق. المرجح هنا أن يتكرّس التحالف القائم بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر". في المتن سيكون النائب ميشال المر مرتاحا جدا لتقاطر القوى السياسية لكسب الحلف معه. فهل تتشكّل ثلاث لوائح في المتن في ظل وجود ثقل لحزبي"الكتائب" و"السوري القومي الاجتماعي" أيضا وشخصيات وازنة؟. في زحلة الصورة مشابهة لوضع المتن، بوجود منافسة حادة في الساحة المسيحية: "الكتلة الشعبية" لن تكون مع "القوات"، فهل تتحالف مع "المستقبل" و"البرتقالي"؟ عندها أين سيكون النائب نقولا فتوش؟ هل يستفرد الحلف الجامع في حال حصوله، بـ"القوات" في زحلة؟ وماذا عن "الكتائب"؟ الاجوبة ليست واضحة عند القوى المعنية: دعونا ننتظر. لكن "الحكيم" يتحضّر لكل الاحتمالات.
يدرك رئيس حزب "القوات" سمير جعجع أن رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل يخوض معه لعبة السباق نحو كسب الحصص المسيحية، تحضيرا ايضا للانتخابات الرئاسية. ما يعزز خيارات الانفتاح عند "الحكيم" باتجاه كل القوى من دون استثناء. قد لا يبدو غريبا اقدام جعجع قريبا على تفعيل القربى العائلية بين النائب ستريدا جعجع ورئيسة "الكتلة الشعبية" ميريام سكاف لتحضير تحالف بين "القوات" و"الكتلة". لكن هل تقبل سكاف بالتخلي عن الصوت الشيعي الفاعل في زحلة لقاء التحالف مع جعجع؟ لا مصلحة لسكاف بذلك بالطبع، لكن لجعجع مصلحة بالحلف مع سكاف لمواجهة حشره في زاوية التحالف الوحيد مع "الكتائب" فقط.
الاشهر القليلة المقبلة ستحدد التوجهات. لكن مراقبين يصرّون على رصد التطورات الميدانية السورية التي "ستتيح لحلفاء دمشق حصد المزيد من المقاعد النيابية وعودة وجوه غابت عن المشهد منذ عام 2005، لا سيما في بيروت والشمال". تلك التطورات واختلاط التحالفات وتداخلاتها وتنوعها بين دائرة واخرى وطبيعة القانون النسبي، ستفرض خطابات انتخابية مغايرة. لن يكون فيها مكان للعناوين التي خيّمت على لبنان منذ 13 سنة. ما يعني تراجع قدرة "المستقبل" الانتخابية، مقابل تقدم رئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي شمالا، وكمال الخير وجهاد الصمد في الضنية والمنية، وآخرين في عكار، و"التنظيم الشعبي الناصري" جنوبا، والوزير السابق عبدالرحيم مراد بقاعا. ولا يمكن تجاوز الحالة التي أوجدها الوزير السابق اشرف ريفي. الأهم أيضا ان النتيجة ستفرض كتلا نيابية متوسطة أو صغيرة الحجم، مع تكتلات متنوعة تدفن نهائيا تحالفي 8 و14 اذار الى غير رجعة.