– من حق قادة وفد الرياض المفاوض في جنيف أن يتهموا دي ميستورا بالخيانة، وهو الذي رعاهم وحمى خياراتهم التصعيدية، وهو الذي بارك بيان الرياض الذي اعتمدوه سقفاً للتفاوض، وهو الذي قال إنّ وفدهم يمثل الجهة الشرعية للتفاوض عن المعارضات السورية، يأتيهم اليوم ويقول فكّروا بواقعية، لقد خسرتم الحرب وعودوا بوفد موحّد وبشعارات تتناسب مع المتغيّرات وبسقف تفاوضي قابل لتحقيق تقدّم لكن من حق دي ميستورا أن يعلن نهاية اللعبة، فهذا الوفد المفاوض لم تعُد بيده أيّ ورقة قوة ليضعها دي ميستورا على الطاولة ويحميهم بها، لا وجود عسكري ذي قيمة، ولا نفوذ شعبي، ولا دعم سياسي ودبلوماسي يُعتدّ به. فاللاعبون الكبار الذين طلبوا منه رعاية هؤلاء وسقوفهم هم مَن غيّروا مواقفهم من واشنطن إلى باريس، والجغرافيا السورية تقترب من لحظة يكون الجيش السوري فيها القوة الوحيدة المسيطرة على مساحة ما بين الحدود والحدود، فماذا عساه يفعل، إلا ما تستطيعه الماشطة مع الوجه العكش؟
– أوهام جماعة الرياض كانت مبنيّة على فرضية قوامها أنّ بمستطاع الأميركيين فعل الأكثر، وأنّ حماية سقوف مرتفعة في التفاوض مكاسب أميركية خالصة، إنْ لم يكن للفوز بحلّ سياسي مناسب لهم ولأميركا، فتعطيل حلّ سياسي غير مناسب لهم ولأميركا، فتتنعّم أميركا بالبقاء فوق بعض الجغرافيا السورية بذريعة تعطل فرص الحلّ، ويتنعّمون هم بعائدات اعتمادهم المالي والسياسي والإعلامي إلى ما شاء الله، والسؤال الذي يطرحونه، لماذا لا تستطيع واشنطن مواصلة السير في تعطيل الحلّ السياسي متذرّعة بهم، بدلاً من الضغط عليهم بواسطة دي ميستورا وسواه لقبول سقف الهزيمة؟ وهو السؤال السعودي و»الإسرائيلي» ذاته بالمناسبة!
– في المواجهة الدائرة على الساحة الدولية سلّمت واشنطن بعجزها عن مجاراة خصومها، خصوصاً روسيا والصين وإيران عن المواجهة في الميدان، لكنها وثقت كثيراً بنظام العقوبات المالية لإقامة توازن قوى عنوانه، النظام المالي بوجه المنظومة المقاتلة، وكان التفاهم على الملف النووي الإيراني نموذجاً للتسوية الممكنة بين النظام والمنظومة، ومثله تسوية للملفات العالقة، من سورية إلى أوكرانيا، وقد تمّت صياغة عناوين هذه التسويات في اتفاق جون كيري وسيرغي لافروف كوزيرين لخارجية روسيا وأميركا، في مثل هذه الأيام قبل عام، لكن القيادات العسكرية والاستخبارية الأميركية رفضت السير بالاتفاق، وبعد ممانعة لم تصمد إلا لأيام خضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسار بالخيار البديل، وهو استنفاد نظام العقوبات المالي، بناء على تقدير قوامه أنّ المنظومة المقاتلة قد استنفدت هوامش تأثيرها وساحاتها.
– جاء الحضور الكوري الشمالي إلى الميدان، معلناً بقوة صارخة أنّ المنظومة المقاتلة لا تزال في البدايات، ولديها الكثير لتفعله في مواجهة التحدّي، فاستنفر النظام المالي سقف العقوبات العالي بوجهها، ولم يفلح في الردع، بل زاد منسوب التوتر وارتفع سقف التحديات بلوغاً لمكان على الأميركيين الاختيار فيه بين الرضوخ للتسويات أو الذهاب لحرب يعلمون سلفاً استعصاء واستحالة تحمّل تبعات قرارها، فظهر خيار الردع المالي بعنوان مطالبة روسيا والصين بالتعاون في حصار كوريا الشمالية بالغذاء والمحروقات وانتقال الأموال النقدية، حتى تستسلم، فكان جواب الرئيس الروسي بليغاً، تريدون منّا تعاوناً في عقوبات نحن ضحاياها إنكم تمزحون ولا شك!
– بيد واشنطن قرار وحيد هو إعلان مقاطعة البنوك الروسية والصينية، على طريقة الذهاب في لعبة الشطرنج لنقلة انتحارية كأن تضع الوزير في وضعية كش ملك وهو أمام القلعة، وأنت تعلم أنه ميّت حكماً، هذا معنى إعلان الحرب المالية، في ظلّ العجز عن مواجهة المنظومة المقاتلة، لأنّ الردّ الرادع سيكون مشروعاً ودفاعياً، وعنوانه سقوط الدولار كعملة عالمية، وانشقاق النظام المصرفي العالمي، وهونغ كونغ تنتظر الدور ومثلها جنيف، كدول صغيرة ذات مكانة مصرفية وحياد سياسي، والعودة لنظام الذهب كمكافئ عالمي للعملات، بشّرت به قمة بريكس الأخيرة ضمن السطور وما بين السطور.
– الخبراء الأميركيون يقولون لا أحد في واشنطن ينصح أو يتجرأ على النصح بلعبة شمشون «عليّ وعلى أعدائي يا رب». وقادة النظام المصرفي النافذون في صناعة القرار يرفعون البطاقة الحمراء ضدّ القرارات المجنونة، ما يعني التسليم بسقوط نظام العقوبات، وليس فقط الذهاب للتفاوض في ملف كوريا الشمالية وسلاحها النووي، بل التفاوض على الخروج الأميركي الآمن من نظام العقوبات إلى التسويات كممر إلزامي… أولى التسويات على الطاولة سورية الموحّدة بقيادة الرئيس بشار الأسد بدءاً من دير الزور وسقوط منطقة شمال الفرات كمنطقة تموضع أميركي وخصوصية كردية… تبلّغ دي ميستورا وفهم وأفهم وأبلغ من يلزم… فلا عتب.