كسرُ حصار دير الزور انتصار مؤزّر، كما وصفه الرئيس الدكتور بشار الأسد. والأوضاع في سورية لم تعُد رهناً لإرادة نحو مئة دولة داعمة للإرهاب، وخطر التقسيم تلاشى في ظلّ انتصارات الجيش السوري وحلفائه.
لقد قدّم الصمود السوري نموذجاً تاريخياً في صناعة الاستراتيجية الجديدة التي لم تأتِ من المعاهد العسكرية، بل من المعطيات العقائدية الصلبة التي يزخر بها العقل السوري، فطالما أنّ المعركة هي معركة العقل، فإنّ السلاح هو فعل الإرادة في مواجهة الإرهاب القادم من كلّ مكان في أوروبا وغيرها، وهذا الإرهاب يتقهقر، وانتصار سورية سوف تكون له نتائج متعدّدة ليس فقط على الأراضي السوريّة، إنّما في العالم العربي كلّه.
المعركة ضدّ الإرهاب هي أيضاً ضدّ العدو الصهيوني، الذي هو أصل الإرهاب بدعم من الولايات المتحدة الأميركية.
إنّ الانتصار الذي حصل إذن ليس انتصاراً محلّياً فحسب، إنّه انتصار على أميركا التي بدأت تدخل بنتيجة سياساتها الإمبراطورية بمواجهة مع العالم كلّه، فما يحصل الآن في كوريا الشمالية فيه دلالات عدّة على قدرة شعوب العالم على مواجهة الظلم والظالمين.
أمّا أسباب هذا الانتصار التاريخي فمتعدّدة، وأول هذه الأسباب أنّ سورية عصيّة على التقسيم. فالمشروع الأساسي للإرهاب الذي ساندته الولايات المتحدة الأميركية هو تقسيم سورية على غرار القسمة التي حصلت مع بداية القرن الماضي في اتفاقية سايكس بيكو، التي وقعت العام 1916 بين فرنسا وإنكلترا، الدولتين الاستعماريتين الكبريين آنذاك. والإرهاب الحالي إذن استكمال للمشروع الاستعماري القديم، وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو صنعت كيان الاحتلال اليهودي على حساب دولة فلسطين والأمّة السورية، فأميركا و»إسرائيل» صنعتا الإرهاب لتحقيق مشاريع جديدة ليس أقلّها، تفتيت الأمة إلى دويلات، فيتمّ تقسيم المقسّم.
كلّ شيء بالتفتيت يزول، وكلّ شيء بالوحدة يبقى…
دير الزور إذن مقدّمة وليست نهاية. هي مقدّمة لعودة المدن السوريّة إلى الحياة الحرّة المستقلّة بدلالة فرح أهاليها بانتصارهم. وهي مقدّمة لانتهاء الحرب على سورية. إذن، إنّنا نرى في تحرير مدينة دير الزور مقدّمة فعليّة لانتهاء الحرب في سورية والحرب على سورية. فلقد صمد اللواء 137 لمدّة ثلاث سنوات، فكان صموده هذا صموداً تاريخياً أدّى إلى النجاح الذي حصل. فالتقاء الجيش القادم من خارج المدينة مع الجيش الصامد في المدينة، يعبّر في ما يشير إليه عن قدرة الشعوب في المقاومة إن صحّت لها العقيدة والمقاومة.
هنا، لا بدّ من الإشارة الخاصّة إلى استمرار القيادة السوريّة في ممارسة فعل القيادة. الرئيس بشار الأسد لم يهِن بالرغم من الضغوط الدولية والتهديد بإزالة النظام، ومن ثمّ إزالة الدولة. أمّا الدولة فبقيت، وأمّا النظام فهو يستمرّ صلباً وقوياً للغاية في ثوابته التاريخية.
هذه الثوابت تعتمد على الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني. فالمسألة الفلسطينية التي هي جوهر القضية القوميّة بقيت على ما هي عليه بالرغم من غطرسة الكيان الصهيوني وجميع حلفائه.
المقصود إذن في الحرب على سورية تصفية المسألة الفلسطينية، والمقصود أيضاً كان تدمير العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران ومع روسيا. الجميع بقوا مع سورية، روسيا بطائراتها والصين ودول بريكس. الجميع واجه الولايات المتحدة الأميركية… إذن لم تكن الحرب في سورية حرباً على سورية، إنّما كانت حرباً على العالم الحرّ، وبانتصار سورية ينتصر العالم الحرّ كلّه.
لذلك فإنّ الانتصار هو انتصارٌ مدوٍّ، تقرأ عنه الأجيال المقبلة التي يخاطبها الانتصار بحدّ ذاته، كما يخاطبه الرئيس بشار الأسد. وهذا القول للزعيم أنطون سعاده عندما قال: «إنّي أخاطب أجيالاً لم تولد بعد». والأجيال الجديدة سوف تتعلّم في الكتب أنّ شعبنا ومقاومتنا ونسورنا وبواسلنا قهروا بصمودهم العدو الصهيوني وقهروا الإرهاب.
والشعوب العربية تعتزّ بمقاومة قهرت الجيش الصهيوني الذي قيل عنه بأنه لا يُقهر، وتعتز بسورية التي هزمت الإرهاب ورعاته.
على هذا المستوى، لا بدّ من التأكيد للمنهارين في لبنان بفعل انتصار المقاومة وسورية، أنّهم لا بدّ أن يكملوا الطريق في الانهيار، فالحقيقة لا بدّ لها أن تظهر.. الحقيقة هي القوة، و»القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره». هذا قول للزعيم أنطون سعاده في الثلاثينيات من القرن الماضي.
إنّنا في هذه الأيام نشهد بزوغ شمس الحرية والسيادة والاستقلال.
في الخاتمة، نقول كما قال الرئيس الأسد، إنّه انتصار مدوّ سوف يتردّد صداه ليس في البلاد فحسب، بل عند شعوب أولئك الذين وقفوا معنا، وأولئك الذين وقفوا ضدّنا على السواء.