يشكل نجاح الجيش السوري وحلفائه بفك الحصار عن دير الزور انتصاراً استراتيجياً نوعياً يكمّل الانتصارات التي تحققت بدءاً بتحرير الأحياء الشرقية من حلب، ومروراً بتحرير أرياف حلب الشرقية والجنوبية والريف الجنوبي للرقة، ومعظم البادية السورية، وصولاً لتحرير أجزاء هامة من الحدود مع العراق ومع الأردن.
غير أنّ هذا الانتصار الهامّ من الناحيتين الميدانية والسياسية، لم يكن ليتحقق لولا الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري وأبناء مدينة دير الزور على مدى ثلاث سنوات من حصار داعش وهجماته الإرهابية، فإنه يضع سورية على مشارف تحرير ما تبقى من أرض سورية من احتلال تنظيم داعش الإرهابي في شرق سورية، بما يمهّد الطريق أمام القضاء على وجود تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في محافظة إدلب. ذلك أنّ تحرير كامل محافظة دير الزور يُعتَبر بمثابة نهاية آخر المعارك الكبرى ضدّ القوى الإرهابية. لأنّ الرقة باتت قاب قوسين من تحريرها نهائياً من داعش، أما محافظة إدلب، فالوجود الإرهابي فيها محاصر من الاتجاهات كلّها ولا يوجد مهرب للإرهابيين سوى باتجاه تركيا. أما الغوطة الشرقية من دمشق، فإنّ قسماً منها دخل في اتفاق خفض التوتر، والقسم الآخر يشرف الجيش السوري حالياً على إنهاء تحريره من مسلحي النصرة وفيلق الرحمن، خصوصاً حي جوبر وبلدة عين ترما. في حين أنّ المناطق المتبقية من الجنوب السوري باتت أيضاً ضمن اتفاق خفض التوتر.
من هنا يمكن إدراك لماذا يشكل الانتصار بفكّ الحصار عن دير الزور والبدء باستكمال تحرير كامل المحافظة، انتصاراً استراتيجياً يضع سورية على أعتاب النصر النهائي، وإسقاط كلّ المخططات والرهانات والأحلام الأميركية والغربية والصهيونية والرجعية بتقسيم سورية، أو إطالة حرب الاستنزاف ضدّ الدولة الوطنية السورية وحلفائها.
وهو ما دفع المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا إلى دعوة، ما أسماه المعارضة، الى التحلي بالواقعية، لأنها لم تربح الحرب. هذا التصريح يأتي متزامناً مع انتصار دير الزور، وهو يقرّ بهزيمة الجماعات المسلحة وانتصار سورية، كما أقرّ قبله السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد بأنّ «اللعبة انتهت وأنّ الرئيس بشار الأسد انتصر».
وإذا كان انتصار حلب قد أدّى إلى دفن المشروع التركي الأردوغاني لتقسيم سورية الذي كان يراهن على السيطرة على حلب وسلخها عن الدولة السورية، فإنّ انتصار دير الزور يدفن نهائياً هذا المشروع التقسيمي الأميركي في شرق سورية، ويسقط معه إلى غير رجعة كلّ الأوهام والرهانات على انتزاع قسم من الأرض السورية وجعلها منطقة نفوذ أميركية تخضع لسيطرة بعض الجماعات المسلحة الكردية وغير الكردية المرتبطة بواشنطن.
لهذا فإنّ انتصار دير الزور يشكل انتصاراً كبيراً لمحور المقاومة والحليف الروسي، يثبت قدرته وفعاليته في محاربة القوى الإرهابية وإلحاق الهزيمة بها، ويكشف في الوقت نفسه الخداع الأميركي بشأن محاربة داعش، بل إنه يكشف أيضاً مدى علاقة واشنطن بداعش وسعيها لتوظيفه في سورية والعراق لأجل تحقيق أهدافها الاستعمارية في البلدين. وهو ما دفع واشنطن إلى تحريك لجنة التحقيق الدولية بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية إلى توجيه الاتهام للدولة السورية باستخدام هذه الأسلحة في قصف خان شيخون والغوطة الشرقية وخان العسل، من دون أدلة حسية، كما اعترف بذلك رئيس اللجنة رداً على سؤال لمراسل قناة «الميادين». وذلك بهدف واضح وهو التشويش على انتصار الجيش السوري في دير الزور، وإعادة توجيه أنظار الرأي العام باتجاه آخر وإثارة سجال حول اتهام سورية.
وبالقدر الذي أزعج انتصار دير الزور الولايات المتحدة، فإنه أثار الرعب والفزع والقلق في الكيان الصهيوني، لأنه أثبت تصميم سورية، قيادة وجيشاً وشعباً، وبدعم من حلفائها، على تحرير الأرض السورية كلّها من القوى الإرهابية، والحفاظ على وحدتها أرضاً وشعباً ومؤسسات، وأكد قرب خروج سورية من الحرب أكثر منعة وقوة وتماسكاً، الأمر الذي يشكل هزيمة استراتيجية للقادة الصهاينة وسقوطاً مدوّياً لمخططاتهم ورهاناتهم على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد ومحاصرة المقاومة وعزل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية.