انّ دخول الجيش السوري والقوات الحليفة له إلى مدينة دير الزور وفك الحصار عنها، بعد فكّ الحصار عن مطارها العسكري وتحرير جبل الثردة المشرف على المطار وبدء عملية تطهير ما تبقّى من أحياء المدينة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي إنما يشكل آخر المعارك الكبرى التي يخوضها الجيش السوري ضدّ قوى الإرهاب التكفيري. فالمعارك المتبقية مع القوى الإرهابية لم تعد سوى معارك صغيرة في بعض المناطق الساقطة عسكرياً أو المحاصرة مثل محافظة إدلب والغوطة الشرقية من دمشق أو المناطق المحاذية للحدود مع الأردن والجولان المحتلّ، والتي لا تحتاج إلى جهد كبير لتحريرها والتي يمكن أن تتهاوى بعد استكمال تحرير محافظة دير الزور أو تدخل الجماعات المسلحة في بعضها في عملية التسوية والمصالحة وفق شروط الدولة السورية، انطلاقاً من أنّ المعركة باتت محسومة ولم يعد هناك من خيارات فإما الاستسلام والاستفادة من عرض الدولة السورية للدخول في عملية المصالحة أو مواجهة القتال اليائس حتى الموت، ولهذا فإنّ كسر الحصار عن دير الزور ومطارها العسكري يشكل انتصاراً نوعياً واستراتيجياً يدخل سورية فعلياً المرحلة الأخيرة من حربها الوطنية ضدّ أشرس حرب إرهابية كونية تعرّضت لها دولة في العالم وتمكّنت خلالها من الصمود على مدى ست سنوات ونصف السنة وخرجت منها منتصرة، ما أذهل أعداء سورية وصدمهم وفاجأ اصدقاءها في الوقت نفسه.
على أنّ هذا الانتصار يستمدّ أهميته الاستراتيجية من كونه يسقط آخر الأوراق اأميركية التي كانت تراهن واشنطن على الإمساك بها لاستخدامها في المفاوضات كي تبتزّ بها الدولة الوطنية السورية لمحاولة انتزاع تنازلات منها تمكنها من تكريس نفوذ أميركي دائم في سورية ينتقص من سيادتها واستقلالها. من هنا فإنّ انتصار دير الزور أصاب واشنطن والدول المنخرطة معها في الحرب على سورية وأدواتهم الإرهابية على أنواعها بالإحباط واليأس والمرارة، كما أنّ تحرير حلب أسقط أحلام أردوغان بسلخ مدينة حلب عن جسد الدولة السورية لإحياء أمجاد السلطنة العثمانية الغابرة، فإنّ تحرير دير الزور يسقط ما تبقى من رهانات أميركية على تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية في سورية تجنّب أميركا الخروج من الحرب مهزومة خالية الوفاض، ولهذا بدأت الإدارة الأميركية تمهّد للتكيّف مع هزيمة مخططها في سورية عبر ركوب موجة المشاركة في الحرب ضدّ داعش من جهة، والعمل على سحب قياداته وكوادره المرتبطين بالاستخبارات الأميركية من الرقة ودير الزور بواسطة طائرات مروحية لأنها تريد الحفاظ عليهم لاستخدامهم في مناطق أخرى في خدمة مخططاتها من ناحية ثانية، ولهذا أمرت جماعاتها المسلحة في بادية السويداء قرب الحدود مع الأردن بالانسحاب إلى الداخل الأردني لأنها لن تستطيع الصمود أمام هجوم الجيش السوري وحلفائه، فيما واشنطن لن يكون بمقدورها التورّط في الحرب لحمايتهم وتمكينهم من البقاء في مواقعهم.
لا شك في أنّ نجاح سورية في تحقيق هذا الانتصار ما كان ممكناً لولا الصمود الأسطوري للجيش السوري في كلّ المناطق التي تعرّض فيها للحصار لسنوات ونجح في كسره مثل حصار مطار كويرس ومستشفى الكندي وبلدتي نبل والزهراء وأخيراً كسر الحصار عن دير الزور ومطارها العسكري الذي دام ثلاث سنوات متتالية، وكذلك لولا الانتصارات التي تحققت في كلّ المناطق السورية والتي تتوّج الآن في انتصار دير الزور النوعي والاستراتيجي على كلّ الصعد العسكرية والسياسية والاقتصادية لما تشكله محافظة دير الزور من موقع جغرافي وما تحتوي عليه من ثروات هامة ولما كانت تشكله من رهانات أميركية لتحقيق أهدافها السياسية.
كما أنّ هذا الانتصار الكبير ما كان ليتحقق لولا الصمود الشعبي ولولا صلابة وثبات وحزم وشجاعة القيادة العربية السورية برئاسة الرئيس المقاوم بشار الأسد الذي برهن طوال سنوات الحرب الكونية على سورية عن إرادة وطنية مقاومة ترفض المساومة على ذرة تراب من أرض سورية وتحرص على تحريرها كاملة من رجس الإرهابيين، كما برهن عن رفض قاطع لكلّ مشاريع الهيمنة والتبعية للدول الاستعمارية مقابل بقائه في السلطة، واتخذ القرار الواضح والجريء منذ اليوم الأول للحرب بالتصدّي لقوى الإرهاب وعدم التفريط باستقلالية القرار الوطني لسورية أو التخلي عن التمسك بثوابتها الوطنية والقومية المقاومة.
ولأنّ خيار سورية العروبة والمقاومة هو الذي انتصر نجد قادة كيان العدو الصهيوني وقد انتابهم الهلع والقلق وسيطرة عليهم حالة من الهستيريا. فكيان العدو أدرك أنّ فشل مخططه في سورية وفشل احتياطه من القوى الإرهابية في إسقاط الرئيس بشار الأسد إنما يسقط آخر الأوراق التي راهن عليها للقضاء على قوى المقاومة والثأر لهزائمه في لبنان والعمل على تصفية القضية الفلسطينية. وانّ انتصار سورية الأسد إنما يعني انتصار حلف المقاومة وتعزيز قوته وتزايد شعبيته وتبدل المعادلات الإقليمية والدولية في غير مصلحة «إسرائيل». وهو ما يثير فزع القادة الصهاينة ويقضّ مضاجعهم، وما إقدام طائراتهم على اختراق الأجواء اللبنانية في الليل وقصف موقع للجيش السوري في بلدة مصياف من سماء لبنان إلا محاولة يائسة للتشويش على الانتصار الاستراتيجي على داعش في دير الزور والتأثير على مجرى المعركة، لكن كما يقال لقد سبق السيف العذل. سورية دخلت مرحلة النصر النهائي وأميركا بدأت التكيّف مع هزيمتها في سورية ودي ميستورا لسان حالها قال ما أوحت به له. على المعارضة التحلي بالواقعية، فهي لم تربح الحرب. وهذا يعني بصريح العبارة دعوتها للاستسلام لشروط الحلّ التي تطرحها وتتمسك بها الدولة الوطنية السورية منذ بداية الحرب الإرهابية عليها.