بعد كلمة الرئيس بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في 31 آب وتأكيده ضرورة عدم إلقاء اللوم على رئيس حكومة لبنان السابق تمام سلام في ما يتعلّق بقضية استشهاد العسكريين، يخرج الرئيس سعد الحريري من المصيطبة مقر إقامة الرئيس تمّام سلام الدائمة ليكرّر الموقف محاولاً مواساة الرئيس سلام في هذا الموقف الذي حمّله ظاهرياً المسؤولية باعتباره، رئيساً للحكومة حينها لا يمكن أن يتخلى عن جنود بلاده بهذه السهولة من دون وقفة جدية وحازمة والأهم من دون الاصغاء للاملاءات او حتى الآراء بأمر لا يحتمل التأويلات. لكن الذي يعرف الرئيس سلام ويعرف حساسية ذلك الموقف والتوقيت يعرف أيضاً أن ذلك القرار كان مرتبطا بخلفية سياسية واسعة تصل للمملكة العربية السعودية التي لا تعترف بقرار حكومي «سني» مستقل في لبنان.
وعلى هذا الاساس، بالرغم من كل شيء تبدو كلمة الحريري من المصيطبة دليلاً على رغبته بمواصلة النهج الوفاقي في البلاد، على الرغم من مساعي حثيثة لنسف الأجواء التوافقية من أصوات معروفة محلية وخارجية. السؤال حول مدى تماسك هذه الصيغة سيبقى مطروحاً في المرحلة المقبلة، وفي كل الأحوال يبذل الرئيس الحريري جهداً لا يُستهان به في التمسّك بهذه الصيغة، خصوصاً أن انتقادات واسعة تطاله داخل قاعدته الشعبية يتمحور جلها ضمن استسلامه لرغبات حزب الله في اكثر من ملف أكان في انتخاب الرئيس عون وصولاً للاستحقاقات الأساسية والأداء الحكومي، وقانون الانتخاب والتعيينات وما سواها من ملفات ويوميات محلية صار الحريري مسؤولاً عن إنجاحها بشكل جامع أبعد من ان يتقدم المشهد كرئيس لتيار المستقبل يحافظ على مكاسب لا تزال أكثر الأحزاب تحافظ عليها حكومياً.
الحريري الذي يزور موسكو على رأس وفد يضمّ في أبرز أسمائه نائب رئيس الحكومة وزير القوات غسان الحاصباني ووزير المالية علي حسن خليل عن حركة أمل ووزير الاقتصاد رائد خوري ووزير الخارجية جبران باسيل الذي ينضم للوفد لاحقاً، من المفترض أن يلتقي بداية وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف يليه رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيداف ليصل للقاء الأكبر بعدها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «سوتشي» في زيارة يتم النقاش فيها بسبل دعم الجيش اللبناني والعلاقات التجارية بين البلدين وملف النزوح السوري والأزمة السورية ككل وتأثيرها على لبنان، وما هو مطلوب من المسؤولين اللبنانيين بما يمكنهم من لعب دور منتج في هذا الإطار اكان على صعيد مكافحة الإرهاب أو حتى الخيار السياسي وما بعده من اعتبار لبنان منبراً أساسياً لدعم اعادة الاعمار في سورية نظراً لما يشكله موقعه من ارضية مناسبة لاستقطاب الشركات ورجال الأعمال الذين سينطلقون من أراضيه نحو المرحلة الجديدة.
الحريري الذي يرفع منسوب الزيارة الى موسكو يعرف أن صلب الاهتمام الروسي سيكون الازمة السورية ومواقف روسيا الثابتة فيها، لكنه سيلتمس ايضاً من هناك الرغبة السعودية بالتعاون مع روسيا لإنهاء الأزمة السورية على ارضية بقاء الرئيس السوري بشار الاسد وتثبيت ما كانت قد اعلنت عنه المعارضة السورية بأن المملكة اوعزت الى أسماء أساسية فيها الى ضرورة تقبل أن المرحلة المقبلة في سورية ستكون بوجود الرئيس الاسد لا بغيابه وأنه هو المسعى المقبل مع الاطراف الدولية لتصبح هذه الزيارة مفصلية بالنسبة لخطاب الحريري ما «بعدها»، خصوصاً أنه لن تكون زيارة قريبة له الى موسكو حتى وقت بعيد، وبالتالي فان وضع الحريري لاعتماداته «الخاصة» امام القيادة الروسية التي استقبلته ودعمته، حسب مصادر خاصة سابقة لـ «البناء» للوصول لرئاسة الحكومة واعتباره مرحباً فيه دائماً في روسيا أكان رئيساً للحكومة او رئيساً سابقاً سيكون ابرز ما عليه إبرازه ما يحتم عليه مسؤولية محلية كبيرة أمام قاعدته الشعبية.
جزء من الانتقادات التي تلاحق الحريري، حسب اوساط «سنية» لـ «البناء» تحكي مدى انخراط الحريري ضمن تسوية لا تشبه رغبة القاعدة الشعبية المتطرفة التي تجنح نحو عدم تقبل كل ما هو آتٍ من المحور المقابل الحليف لإيران وسورية، حتى ولو كانت روسيا التي تعتبر واحدة من اصل أسباب التفوق الميداني الذي أسقط المشروع المقابل وتضيف الاوساط «الخشية جدية على الحريري من خسارة أصوات سنية متطرفة يذهب معظمها للوزير ريفي، خصوصاً في الشمال. والأرجح ان الحريري يعرف ذلك، لكنه بدأ يراهن على إنجازات توافقية تضمن عودته الى رئاسة الوزراء بإجماع الكتل، ولكن الأهم ان سلوك الحريري التوافقي اليوم يساعده في خوض الانتخابات النيابية المقبلة، وهو على رأس الحكومة. وهذا ما يساعده كثيراً في الانتخابات. فهناك فارق كبير بين ان يخوض الحريري انتخابات لا يكون فيها رئيساً للحكومة وبين ان يكون رئيساً لحظة فتح صناديق الاقتراع. ولهذا السبب فإن أي حديث عن خلافات حكومية قد تؤدي إلى فسخ هذا التوافق الحكومي او افشال الحكومة، وإسقاطُها غير وارد، مهما حاولت بعض الاصوات المحلية اللعب على هذا الوتر. وتختم الاوساط لـ «البناء» «الحقيقة أن الحريري يتحمل الكثير في هذه الأيام من انتقاد وامتعاض بعض ابناء جلدته. وهو أكثر ما يشكل تحدياً بالنسبة له ولفريقه السياسي وكوادر تيار المستقبل الذين اعتادوا حديثاً على انتهاج السلوك التوافقي مع باقي الشركاء الحزبيين، بعد أن كانوا هم أنفسهم وقوداً للتحريض منذ بدء الحرب السورية».