ليست قضية "التوتر العالي" في المنصورية-عين سعادة التي يريد فرضها "التيار الوطني الحر" بعد معارضته للاعمدة سابقاً، هي التي قلّلت من رصيده في المتن الشمالي. ولا ازدياد المؤيدين لرئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي، هو الذي خفّف من نجومية تيار "المستقبل" في الساحة السنّية. يومياً تُرصد الاخفاقات السياسية للتيارين الحاكمين الآن. الدليل يظهر في كيفية التعاطي مع الإنتخابات الفرعيّة في كسروان وطرابلس. كأنّ التيارين الحليفين الازرق والبرتقالي يخشيان من نتائج انتخابية تطيح بصورتهما. رغم أن وضعيّة المرشح في كسروان العميد المتقاعد شامل روكز ممتازة، والإحصاءات تؤكد فوزه المرتقب. روكز يبدو الاكثر ثقة بنفسه وبمؤيديه. يملك تاريخا حافلا بالنضال العسكري البطولي. فهل يشكل نجاح روكز قلقاً لرئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل؟ قد يصحّ هذا الافتراض في حال لم تحصل الانتخابات الفرعية، لأن لا مبرر آخر لإرجائها.
المشكلة ليست هنا. انها تتعلق بالانتخابات النيابية العام المقبل. يتردد الحديث في الصالونات السياسية انها قد تُطرح على التأجيل مجددا، تحت حجة عدم الإتفاق على البطاقات الممغنطة وطرق الانتخاب او امور تقنية أخرى. لو حصل التمديد سيتحمل التياران المذكوران تداعيات قرار التمديد الجديد. الخطورة أنّ الارجاء سيمسّ صورة العهد ويصيبه بالوهن ويُفقد ثقة المواطنين به. ما يعني أنْ لا مصلحة لرئيس الجمهورية ميشال عون بالقبول بتأجيل الإنتخابات.
لكن لماذا يتحمّل "الوطني الحر" و"المستقبل" وحدهما مسؤولية التأجيل في حال حصل؟
بدت مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الأخيرة حاسمة لجهة فرض اجراء الانتخابات في موعدها المحدد في أيار المقبل من دون أي تأجيل. لم يكتفِ بري بالدعوة لبت امر الاستحقاق، بل وصف عدم اجراء الانتخابات بالانقلاب. في وقت باشرت حركة "أمل" بإجتماعاتها ووزعت لجانها الانتخابية منذ الآن في المناطق للعمل بجد استعدادا للاستحقاق. كل خطوة يقدم عليها برّي توحي انه لن يقبل بأي تأجيل جديد. لا بل قال أنه لن يقبل وهو الذي يحتفل بعد شهر ونصف الشهر بمرور 25 سنة على رئاسته للمجلس النيابي، بأن يكون رئيسا لمجلس يمدد لنفسه من جديد. بري لم يكن يقبل بالتمديد السابق، لكن الحريري طلب وأصرّ على التمديد حينها. الآن يبدو رئيس المجلس النيابي حاسما في جلساته بعدم استعداده للقبول بأي شكل من اشكال التمديد مهما يكن ولأي سبب كان. خصوصا ان لا حجج امنية في الشكل تفرض تأجيل الإنتخابات هذه المرة. لبنان هو من أفضل الدول أمناً واستقرارا.
من جهته "حزب الله" له مصلحة بإجراء الانتخابات في وقتها، اولاً لاعادة حلفائه الى ساحة النجمة بعد غياب طويل، ولتبيان قدراتهم التمثيلية الواسعة تحديدا في الساحة السنية. هذا العامل قد يكون الدافع الاساسي عند تيار "المستقبل" طلباً للتمديد.
حزب "القوات" هو من بين القوى التي تستعد للانتخابات بدليل لهجة الخطاب السياسي المرتفعة لرئيس الحزب سمير جعجع. يعرف "الحكيم" أن خوضه الإنتخابات على طريقة اختياره لوزرائه سيكون له الصدى الايجابي الشعبي. يستطيع جعجع كسب المزيد من الأصوات المسيحية في حال أكمل طريقه بالطلاق التدريجي مع "الوطني الحر". يستند الى هفوات وثغرات وأزمات برتقالية بالجملة سيستخدمها جعجع في معركته الانتخابية. من هنا رفع "الحكيم" سقفه السياسي مصوباً سهامه نحو سوريا و"حزب الله" والهدف الفعلي عنده هو "التيار الوطني"-حليف الحزب وصديق دمشق. حاكى جعجع السعوديين عمليا لاحراج الحريري الذي بات موضع اتهام سياسي "بأنه يعمل عند (وزير الخارجيّة جبران) باسيل" كما وصفه الوزير السابق وئام وهّاب.
كل تفاصيل خطاب جعجع الأخير توحي بأنه يريد الإنتخابات في موعدها ويستعد لها.
حزب "الكتائب" و"المردة" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" وباقي الكتل النيابية تسعى لخوض الانتخابات العام المقبل لتحسين تمثيلها عبر صيغة النسبية المعتمدة.
كل ذلك يوحي أن الطابة في ملعب التيارين الازرق والبرتقالي. والمواطنون باتوا يعرفون الحقائق، ولا تنطلي عليهم شعارات من دون ترجمة عملية تبدأ ببت الانتخابات النيابية بعد طول انتظار. فكيف سيتصرّف الحريري وباسيل؟ هل يمضيان ضمناً بطرح التمديد طالما ان تيارهما حاكمان أساسيان في سلطة يخافان ان يقاسمهما شركاء إضافيون آخرون فيها بعد الانتخابات؟ تصح الفرضية حتى يُترجم الحريري وباسيل العكس.