شهدت المرحلة التي تلت انتخاب الرئيس ميشال عون وتولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة مواقف لسياسيين داخل الطائفة السنية في لبنان تحمل رفضاً للواقع الذي وصلت اليه لناحية تراجعها أمام تقدم نفوذ عون والثنائي الشيعي عليها، كما ان مواقف حادة كالتي يطلقها الوزير السابق أشرف ريفي تلقى آذاناً صاغية في هذه البيئة، لكونها تحاكي مشاعره، في حين يبدو رئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة سعد الحريري يغرّد بعيداً عن محاكاة وجدانه، الى حدّ إعلان مواقف تحمل تناغماً مع حزب الله فيما خص معركة الجرود، وكذلك في غير محطات سياسية. ولا تبدو اليوم الطائفة السنية في واقع المهادنة في ظل مل أصابها من خسارة على مدى الإقليم العربي. كما يذهب الكلام داخل هذه الطائفة الى حد إعتبار «زعيمها» الحريري يتنازل يوماً بعد يوم أمام عون، وكذلك أمام رسائل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، حتى أن إنتقادات عالية السقف يسمعها الحريري من أركان الطائفة، وفعالياتها على مدى الأرض اللبنانية.
ثم كانت تغريدات الوزير السعودي ثامر السبهان إشارات واضحة لعدم موافقة السعودية على تصرفات حزب الله على اكثر من صعيد بحيث كانت تغريداته رسالة للحريري لتحقيق نوع من التوازن بالحد الممكن
إلا أن الحريري كما يدور الكلام في محيطه، عالم ومطلع على هذا الواقع، ولا يدير له «الأذن الطرشاء»، لكن المرحلة تتطلب تقديم منطق العقل على منطق القلب، خاصة أن البلد وصل الى حد مرتفع من المناخ المذهبي، الذي كاد أن يولد فتنة لا يمكن تطويقها، حيث انه البلد الوحيد في هذه المنطقة يشهد تعايشاً شعبياً- سياسياً بين الطائفتين المتصارعتين على كامل بقاع تواجدهما، وحواراً سياسياً علنيا وخفياً بين تيار المستقبل وبين حزب الله حفاظاً على الإستقرار وتمرير الزلزال الإقليمي دون تحقيق أي إصابات بالغة على لبنان.
وفي منطق هؤلاء المحيطون، بأن الحريري ينطلق في مواقفه هذه وفقاً للعوامل التالية:
اولاً: بأنه متفهم للهواجس التي تجتاح البيئة السنية، لكنه يرفض أن يكون أسيراً لها، لقناعته بأن عليه أن يجنب الطائفة ولبنان من أي إحتكاكات ناتجة عن مزايدات مذهبية أو خطابات سياسية حادة، بحيث ستظهر الأيام، بأن ما أقدم عليه كان مدروساً، وهو ليس تنازلاً.
ثانياً: ان تيار المستقبل تكبّد الكثير من الشهداء، حتى أن الحكومة السابقة تشكّلت على وقع إغتيال الوزير محمد شطح، بما يعني أن هذه الكأس التي عاشها تيار المستقبل، يريد أن يوقفها، وهو يرفض أن يكون شاهداً على سقوط الشهيد تلو الآخر في الوقت الضائع، وأن استشهاد الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من مسلسل إغتيالات هو كاف، حيث انه كان الشرارة الأولى في المسار الذي وصلنا اليه اليوم.
ثالثاً: إن العلاقة مع الرئيس ميشال عون قائمة على التفاهم لمصلحة البلاد، والتسوية التي عمل لها كل من رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، ومدير مكتبه نادر الحريري حملت في مضمونها وروحيتها التوافق على تقديم المصلحة العامة، وليس أي مصلحة طائفية او خاصة، لا بل ان الحريري كان على يقين بانه سيلجأ الى تنازلات لكن عون حتى حينه لم ينقلب على اتفاق الطائف ويندرج كل عمله تحت سقفه ..
رابعاً: الحريري متفاهم مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يلتقيه ويناقش معه الواقع اللبناني بكل تشعباته وتوازناته.بما يعني بان الرياض تتفهم خياراته.
ولا تخفي أوساط سياسية بأن كل من الوزير جبران باسيل، ووزير الأشغال يوسف فنيانوس، تمكنا من دوزنة هذا التوازن الجديد بين حزب الله وبين الحريري الذي أعلن عن اتفاقه مع الحزب على حماية لبنان سياسياً، ولذلك فإن الحريري مستمر في خطواته هذه ومواقفه، رغم ما تحمل من تداعيات في جانبها الشعبي، خصوصاً أن قاعدة ربط النزاع. التي تحكم علاقته بحزب الله الممثل في حكومته مفتوحة على أبواب عدة ،وهو يتصرف من منطلق بان حزب الله هو شريك محلي حتى انجلاء حكم المحكمة الدولية الخاصة فيما عليه ان يتحمل مترتبات ادائه الخارجي الذي سيرتب عليه عقوبات دولية تظهر الأيام تأثيراتها، في وقت يستمر كرئيس حكومة في ممارسة مسؤولياته بالتفاهم الثابت مع الرئيس عون والذي قد يترجم انتخابيا بالتحالف مع التيار الوطني أبان الاستحقاق النيابي المقبل.