– كتب البروفسور «الإسرائيلي» يارون فريدمان في صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقالاً بعيداً عن التحليل الفلسفي والديني الذي يكتبه عادة، ومليئاً بالمعلومات المهمة، ما يعني مع نشره أنه اعتماد مدروس على نسبة القراء العالية التي تحوزها مقالاته لتسويق الأفكار والمعلومات التي تضمّنها، والتي لا يمكن لصحيفة كـ»يديعوت أحرونوت» أن تنشرها من دون أن تكون لها درجة من المصداقية والوظيفة المطلوبة والمدروسة لخطورة اتصالها بمفهوم الأمن «الإسرائيلي».
– المقال مخصّص لمشروع قيام كيان كردي موحّد لأكراد العراق وسورية وإيران وتركيا انطلاقاً من تزامن حدثين هما نهاية الحرب على داعش قريباً، في كلّ من العراق وسورية، وتمتّع الأكراد في البلدين بمكانة وخصوصية تتيحان، وفق رأيه، فرصة تاريخية لن تتكرّر لقيام دولة كردية، وقد دعا فريدمان، الزعيم الكردي مسعود البرزاني، الى القيام بما قام به بن غوريون عام 1948، واستغلال نافذة الفرص المتاحة أمامه، وإدراك أنّ الولايات المتحدة، ورغم معارضتها الرسمية، إلا أنّها ستؤيد في النهاية الدولة الكردية على أمل أن تكون حليفة إضافية لها في الشرق الأوسط. كما يجب على البرزاني معرفة أنه رغم الأخطار السياسية، فإنّ الظروف العسكرية والاقتصادية، ناضجة لاتخاذ قرار مصيري.
– يضيف فيردمان في شرح الظروف المناسبة والتلاقي الاستراتيجي بين «إسرائيل» وتطلعات البرزاني للانفصال وتقديم عناصر مشجّعة مشفوعة بمعلومات مهمة، فيقول، إنّ «إسرائيل» هي الوحيدة حتى الآن التي أعلنت علناً عن تأييدها لاستقلال الأكراد. لكن. وبحسب المعلومات، فإنّ السعودية والإمارات والأردن وافقت على تأييد استقلال إقليم كردستان في العراق، شرط إقامة قواعد عسكرية في الإقليم، لمواجهة التهديد الإيراني في المستقبل. وبالنسبة لـ «إسرائيل»، فإنّ من مصلحتها استئناف العلاقات التي كانت قائمة مع الأكراد في السبعينيات، حين قامت بتدريب «البيشمركة» ضدّ النظام العراقي، وترغب باستيراد النفط من الدولة الكردية. ومن الناحية السياسية، فإنّ تأييد «إسرائيل» لقيام دولة كردية، سيكون له وزن فاعل في مواجهة تأييد تركيا لحركة حماس.
– يقول فريدمان إنه بالرغم مما تبدو عليه آمال «الشعب الكردي»، الذي يتراوح عدده بين 30 – الى 40 مليون نسمة، ويتوزع بين أربع دول تعارض استقلاله – إيران وسورية والعراق وتركيا – لإقامة دولة كردية مستقلة، ضعيفة، لأسباب كثيرة، منها أنّ الولايات المتحدة تبدي حذرها لتأييد هذه الفكرة، لكونها تضرّ بمصالح حلفائها، العراق وتركيا، والأمر ذاته ينطبق على روسيا التي تريد الحفاظ على مصالح حليفيها، سورية وإيران. إلا أنّ فريدمان يضيف أنّ عامل الوقت يضغط على الأكراد، بمثل ما يفتح لهم الآفاق لتغيير المعادلات، معتبراً أنه يجب على أكراد سورية، الاستفادة من انتصاراتهم العسكرية في سورية، وخاصة احتلال الرقة، من أجل تحقيق إنجاز سياسي. لذلك، عليهم تسريع خطواتهم السياسية نحو الاستقلال، واستغلال انشغال الجيش السوري في حرب على جبهات عدة، لأنّ نجاحه في حسم المعركة، مع المعارضة و»داعش» سيمكنه من التفرّغ لمحاربة الأكراد شمال سورية. كما على الأكراد في العراق وسورية ضرب الحديد وهو حامٍ، واستغلال انتصاراتهم المهمة ضدّ «داعش» من أجل تحقيق ربح سياسي.
– الخلاصة التي يفتح بابها كلام فريدمان هي رهان استراتيجي كبير تلتقي على دعمه، خصوصاً «إسرائيل» مع السعودية، كما يكشف مقال فريدمان، ويقوم على إسقاط الاهتمام بوحدة تركيا كحليف لـ»إسرائيل» بصفتها إحدى الأولويات لحركة «إسرائيل» في المنطقة، وفي المقابل يكشف تفاهماً «إسرائيلياً» سعودياً على التأقلم مع التفاهمات الروسية الأميركية بصورة مؤقتة تمهيداً لمفاجأة استراتيجية يمثلها الإصرار الكردي في العراق على الاستفتاء وما سيخلقه من ديناميات جديدة، تبدأ بالتأثير على حركة شرائح عراقية متذمّرة من الحكم ويناسبها الحديث عن تعميق استقلال الأقاليم المتبقية سواء بين الشيعة أو السنة الذين تقوم السعودية بحركة لم تكن واضحة من قبل بأهدافها، وأبعادها، وصار مفهوماً أنها تريد ملاقاة الارتباك الناجم عن الاستفتاء على انفصال كردستان، لطرح استقلال أوسع لأقاليم ذات غالبيات معارضة، خصوصاً للخيار الذي تمثله إيران في المنطقة، والاستفتاء رغم كونه خاصاً بانفصال أكراد العراق إلا أنه سيخلق حماسة لدى القيادات الكردية السورية للمجازفة بخطوات تستند إلى ظاهر هو توريط الأميركيين، بفرض أمر واقع، لكنه كما يقول فريدمان، خيار ترحب به واشنطن وتتمنّاه وتنتظره، لكنها تخشى تحمّل تبعات القتال لفرضه، أو دفع فاتورة فشله، فستتركه يخوض غمار التجربة. وهذا ما يقول فريدمان إنه كان الحال يوم ولادة الكيان المحتلّ لفلسطين، عندها إذا نجح الأكراد بفرض أمر واقع، سيدخل الأميركيون بصيغة تسوية قوامها الفدرالية لسورية، وتقنين الفدرالية بكونفدرالية موسّعة للعراق تحفظ شكل الدولة الواحدة، لكنها تمنح كردستان الجديدة صلاحيات أمنية وعسكرية ودبلوماسية، وما يستنهضه ذلك من حالة لا تبقى فيها دولة عراقية متماسكة، أما في سورية فتستنهض مع حركة الأكراد لفرض أمر واقع عسكري والاستعداد للقتال دفاعاً عنه جماعات مناطق التهدئة لطلبات مماثلة دون تورّط بالقتال، والعنوان الجديد للمشروع، كما طرحه دي ميستورا قبيل حسم حلب هو حكومات محلية لإدارة ذاتية، وسيكون وفقاً للأميركيين ونظرتهم منطقياً طرح مقايضة إنهاء التمرّد بتسوية عنوانها الفدرالية التي ستغطي بقاءهم في قواعدهم العسكرية في سورية، وسيجعل سورية الدولة الرخوة المنشودة، أو الدولة المنقوصة السيادة ببقاء القسم الذي يسيطر عليه الأكراد خارج سلطتها.
– في محور المقاومة، إيران وسورية وحزب الله والحلفاء العراقيون، يطرح السؤال عن سبب إصرار القيادة الكردية في العراق على الاستفتاء، وسبب بقاء أكراد سورية خارج مسارَيْ أستانة وجنيف، ويؤخذ الخيار الكردي كرهان «إسرائيلي» سعودي على محمل الجدّ، والتحرك التركي نحو إيران للتفاهم على تعاون في مواجهة الخطر التفتيتي، تعبير عن إدراك المخاطر، ولا يستبعد أن يكون التعامل ما بعد الاستفتاء في كردستان العراق على مستوى قطع خطوط التواصل التجاري والاقتصادي مع كردستان كمنطقة تمرّد من جانب الحكومة العراقية، وإقفال الحدود الإيرانية والتركية أمام النفط وسائر أشكال التبادل التجاري، لأنّ ما نسي فريدمان قوله للأكراد أن لا حدود برية ولا بحرية لكردستان إلا مع الذين يهدف الانفصال لإلحاق الأذى بهم، وأنّ زمن اليوم غير زمن الأمس، بقواه وتوازناته ومعادلاته وحجم الإرادة والعزيمة على الخروج بنصر نظيف، عسى يكون ذلك درساً للقيادات الكردية في سورية التي اختبرت في عفرين تجربة بسيطة عنوانها استبدال أرقام السيارات ولم تصمد أربعاً وعشرين ساعة.
– لا تسامح مع قيام الانفصال ولو أدّى لحرب، هذا هو القرار في سورية، كما في العراق، كما في الإقليم، كما في الحساب الروسي، فلينتبه «الإسرائيليون» والسعوديون جيداً بأنهم لن يغطوا هزيمتهم بحرب بديلة، ووحدة سورية والعراق غير قابلة للتفاوض.