قضيّة المخرج اللبناني زياد دويري أعادتني عقوداً طويلة الى الوراء يوم كنت تلميذاً في السنة الأولى ثانوي في معهد الأباء الكرمليين في طرابلس المعروف بإسم «الطليان». الذي كان مدرسة في الوطنية قدر ما كان متفوقاً في التعليم يومها رست باخرة شحن في مرفأ بيروت فرفض لبنان تفريغها وأعادها الى عرض البحر بدعوى أنّها تخص شركة قد تكون على صلة بإسرائيل، وبالتالي لا بدّ من تطبيق قانون «المقاطعة».
ولكن الباخرة لم تعد الى بلد المنشأ، بل توجهت من مرفأ بيروت الى مرفأ الإسكندرية في مصر حيث تمّ تفريغها في أيام جمال عبد الناصر، بل في عزّ أيامه وعلو كعبه وسطوته، على وقع «عندك بحرية يا ريّس».
يومها إستفز المشهد التلميذ الثانوي، أنا، وأذكر أنني لجأت الى القلم ودوّنت مقالاً أودعته البريد الى جريدة «النهار» وبعد يومين كانت المفاجأة الكبرى...إذ وجدت ما كتبت يتربّع في أحد أهم مواقع المقالات في الجريدة (في الصفحة الأخيرة تحت كاريكاتير بيار صادق) مع تقديم يقرّظ المقال الذي «جاءنا من القارىء الأديب» و«نظراً لأهميته» نحجب المقال المعهود وننشره مكانه الخ... وربّـما كانت هذه الحادثة قد جنت عليّ إذ حوّلتني لاحقاً من دارس الحقوق الى ممارس للصحافة... وهذا شأن آخر ليس الآن أوانه ولا المجال مجاله ولا هذه العجالة تتسع له.
قلت إن حادثة المخرج زياد دويري في مطار بيروت إستحضرت الى خاطري تلك المفارقة بين مرفأي بيروت والإسكندرية. ولعلي لا أضيف جديداً الى الحوار الدائر حول ما أعيد نشره عن قيام دويري بزيارة الى فلسطين المحتلّة. وأرجو ألا أكون مزايداً على أحد، كما أرجو ألا يزايد عليّ أحدٌ، فأقول إن موقفي الشخصي والمباشر المعلن من العدو الإسرائيلي واضح وجلي وأنا ملتزم به من دون تردد. وفي الوقت ذاته أنا أثق بالقضاء اللبناني، والذي ثبت له أن الزيارة الى فلسطين المحتلة كانت لهدف تصوير فيلم يخدم القضية الفلسطينية. وبالتالي هذا ما أكّده الرجل وبالفم المليان أمام المحكمة.
لذلك لم يعد ثمة مبرّر للتشكيك في القضاء اللبناني ولا في الرجل (الذي لا معرفة شخصية لنا به) اللهم... إلاّ إذا كان ثمة إصرار على منحه المزيد من الدعايات المجانية التي ستعود إيرادات في شباك التذاكر.