منذ نهاية معارك «فجر الجرود»، يتسابق أهل السياسة إلى إعلان النصر، وكلٌّ يُهنّئ الجيشَ الوطني بانتصاره، والجيشُ صامت كما عادته، ينظر الى بياناتِ النفاق والخداع والتكاذب، يدفن شهداءَه بخشوع، يعضّ على الجراح ويمضي...
نعم، لقد انتصر جيشُنا على الإرهاب، انتصر على أعتى المنظّمات وأكثرها توحّشاً وظلامية، قاتل متسلّحاً بالإيمان والعقيدة والالتزام الوطني، وانتصر...
انتصر الجيش على الإرهاب مرة ثانية (بعد معركة نهر البارد)، بعزيمة لا تلين، وإرادة في القتال تنبع من عقيدة وطنية راسخة، وبسلاح لم يعد يستخدمه حتى أفقر الجيوش...
وأنتم انتصرتم على أبطال سوق الغرب ونهر البارد والعديسة، فلم تبادروا يوماً الى السؤال عمّا يحتاجه هذا الجيش من سلاح وعتاد، فميزانيّته في معظمها مخصّصة للرواتب التي لا تكفي للعيش الكريم، بينما «يستكتر» بعضكم على هذا الجندي تعويض نهاية خدمة عشرات السنين، أمضاها في التعب والجهد والحرب بعيداً عن أهله وعائلته.
إنتصرتم بتقديم التعازي لعائلات الشهداء، متسابقين في الظهور بربطات العنق، بمواكبكم أمام الكاميرات، أنتم الذين نرى في عيونكم المكر والدهاء، وأمّ الشهيد الثكلى تُزغرد فخورةً برفات ولدها الذي رفض، والسكين المسنون على رقبته، أن يخون جيشه والقسَم، ففضَّل الموت بكرامة على العيش خائناً ذليلاً، أنتم الذين تخونون القيَم الوطنية في كلّ لحظة بإنتماءاتكم للخارج وانبطاحكم على أعتاب السفارات، ثم تقيمون المهرجانات والاحتفالات الخطابية، متبارين في تبنّي هذا النصر لأنّ للنصر «ألف أمّ وبيّ» كما يقول المثل، إنّما الهزيمة يتيمة لا يتبنّاها أحد.
أُقرّ بأنّكم انتصرتم أيها السادة، ليس كما تدّعون بتبنّي نصر الجيش، لأنّكم لو كنتم تغارون على هذا الجيش ولو كنتم تدعمونه كما تدّعون، لما كانت غالبيّة وحداته تبيت في أكواخ الصفيح والشوادر وفي مبانٍ بُنيت كيفما كان على أراضي الغير، لا تقي الحرّ ولا القرّ... بل انتصرتم على حقوق العسكريّين ولقمة عيشهم، فحجبتم عنهم ما يستحقّون من رواتب وخفّضتم ميزانيّتهم الى الحدّ الأدنى بإسقاط مليارات الليرات من ميزانية الجيش لهذا العام، بينما تفرغ خزينة الدولة من المال العام الذي نهبتموه جرّاء صفقات فسادكم ومحسوبيّتكم.
نعم، إنتصرتم بإعطاء الجندي 52 في المئة زيادة على أساس راتبه، بينما أعطيتم لأقلّ موظف في الإدارة 94 في المئة زيادة راتب، والبعض وصلت زيادة رواتبهم إلى 143 في المئة. هذا الجندي الذي يقضي أكثر من نصف سنوات خدمته بعيداً عن أهله، لم تساووه بالموظف الذي إن عمل، فليس لأكثر من ست ساعات في اليوم، يعود بعدها إلى منزله وبين عائلته آمناً مطمئنّاً...
هل تعلمون أيها السّياسيون أنّ أكثر عناصر الخدمة الفعلية في الجيش مديونون لمؤسّسات مصرفية لأنّ رواتبهم لا تكفيهم؟ وهل يرضى أيٌّ منكم أن يتدنّى مصروفُه اليومي عن المعاش الشهري للجندي الذي حرَّر جرودنا الشرقية بدمائه؟
هل تعلمون بأنّ الجندي الذي يسرق أيّ شيء، حتى ولو كان مبلغاً صغيراً من المال أو شيئاً من أشياء الغير، يتعرّض للطرد من الجيش، ولا يمكنه بالتالي تأمين أيّ وظيفة أخرى، بينما معظمكم ينهب مال الشعب علناً وباعترافات علنيّة منكم ولا مَن يحاسب او يسأل؟
هل تعلمون بأنّ الجندي الذي يترك مركزه او يتأخّر عن الالتحاق بثكنته لأكثر من 48 ساعة، تُنظّم بحقّه برقية بحث وتحرٍّ، ويُحال أمام المحكمة العسكرية، بينما هناك نواب لم يحضروا خلال فترة نيابتهم إلّا مرة واحدة، ولا سلطة تدين أو تعاقب؟
نعم، انتصر جيشُنا الوطني على الإرهاب، وانتصر معه شعبُنا الطيّب الصادق.
وأنتم انتصرتم على الجيش بحرمانه من أبسط حقوقه في موازنتكم الجوفاء، وانتصرتم بالأموال التي تتلقّونها من أسيادكم الخارجيّين، وبنهب الخزينة، وانتصرتم أيضاً لأنّكم ترفضون قيام لجنة تحقيق وطنية تُحاسبكم على تقصيركم وتَخاذلكم وتَواطئكم و... خيانتكم.