في ظل التحولات التي يشهدها الميدان السوري والتي تنعكس تبدلاً في مواقف بعض القوى الدولية والإقليمية، يبدو أن الأزمة المستمرة منذ العام 2011 في طور الدخول في مرحلة جديدة، خصوصاً مع إصرار قوى كانت داعمة لفصائل المعارضة المختلفة في المرحلة السابقة على توجيه البوصلة نحو الحرب على الإرهاب.
وفي حين ينتظر راهنا الإنتهاء من المعارك الكبرى في الرقة ودير الزور، لمعرفة المسار الذي ستسلكه إدلب، بدأت تلوح في الأفق العديد من الطروحات، خصوصاً على المستوى السياسي، بالتزامن مع تعاظم قوة "قوات سوريا الديمقراطية" ودعوة المعارضة إلى أن تكون واقعية في طروحاتها.
المعارضة إلى أين؟
في هذا السياق، ينطلق رئيس المركز الكردي للدراسات نواف خليل، في حديث لـ"النشرة"، من تأكيده على وجوب إنتظار بعض الوقت لتتضح معالم معركة دير الزور، لا سيما أنها تقع في منطقة حساسة جداً، على أن تظهر بعدها ملامح التسوية المستدامة في سوريا، ويضيف: "سيكون هناك أهمية بالغة لمعارك دير الزور والرقة وأدلب".
وفي حين يشير إلى أن قوى المعارضة لم تعد تمتلك أي شيء يؤكد أنه سيكون لها دور في المستقبل السوري، يوضح أن الدول الإقليمية ستقدم من يمثل مصالحها واليوم تتظهر الصورة في ظل الخلافات القطرية الخليجية، ويضيف: "ربما يتم التوصّل الى اتفاق على غرار إتفاق الطائف اللبناني لكن الأكيد أن سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل العام 2011".
من جانبه، يشير أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسام أبو عبدالله، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن مسار الأستانة سينتج، من خلال مناطق تخفيف التصعيد، قوى على الأرض يجري التعاطي معها في المرحلة اللاحقة وليس معارضة الخارج، ويعتبر أن هذه القوى ستكون أفضل من الجالسين في الفنادق خارج البلاد، لكنه يوضح أن شكل القوى السياسية التي ستبرز عن هذا المسار غير واضح حتى الآن.
ويشدد أبو عبدالله على أنه بعد الإنتهاء من تنظيم "داعش" سيطرح الملف الكردي بشكل أكثر قوة، ويتوقع أن ينتهي بالحوار إلا بحال وجود جهات تُصر على "العناد"، ويصف الموقف السوري الحالي بـ"الصامت" لكن مع اطلاق بين الحين والآخر مواقف واضحة، ويشدد على أن الحديث عن الفيدرالية أو التقسيم أمر مرفوض، وهو مشروع إسرائيلي نظراً إلى أن الإستمرار في هذه الصراعات هو من مصلحة تل أبيب بشكل رئيسي.
من وجهة نظر المعارض السوري عبد الباسط سيدا، فإنّ عدم دعم المعارضة السورية، في المرحلتين السياسية والعسكرية، هو الذي جعل الساحة مفتوحة للتيارات الإرهابية والمتطرفة، بالرغم من تحذيرها من هذا الأمر، لكنه على الرغم من إشارته إلى إضعاف المعارضة يؤكد أنها في نهاية المطاف ستكون حاضرة، إلا أنه يشير إلى أن المطلوب على ما يبدو أن تكون "مدجّنة"، بمعنى أنها توافق على ما ينجم عن التوافقات الإقليمية والدولية.
على الرغم من ذلك، يؤكد سيدا، لـ"النشرة"، أن هذا لا يعني الإستسلام لكن يجب أن يكون هناك مشروعاً جديداً لقوى المعارضة، التي عليها، وفق قناعاته، أن تكون طويلة النفس وتعمل على لملمة قواها من جديد والإستفادة من التجربة.
بين الفيدرالية والإدارة المركزية
إنطلاقاً من هذه المعطيات، يبدو أن وجهة الصراع في المرحلة المقبلة ستكون بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية"، التي هي في طور إجراء إنتخابات محلية في المناطق التي تسيطر عليها في 22 أيلول الجاري.
على هذا الصعيد، يوضح خليل أن السقف الذي ستعمل تحته "قوات سوريا الديمقراطية" هو مشروع "مجلس سوريا الديمقراطية"، أي دولة فيدرالية ديمقراطية، لافتاً إلى أن القسم الأول سيبدأ تنفيذه في 22 أيلول الجاري، لكن أبو عبدالله يرى أن هذا الفريق يدار من الجانب الأميركي بالدرجة الأولى، ويؤكد بأن الأفق لن يسمح له بتشكيل بنية سياسية أو عسكرية في ظل معارضة القوى الإقليمية الفاعلة، ويعتبر أن الممكن هو لا مركزية إدارية في إطار التفاهم بحسب ما ينص القانون السوري، ويضيف: "بحال لم يستوعب البعض هذا الأمر قد يحدث صداما معه".
من جانبه، يضع سيدا الأمور عند الموقف الأميركي الذي لم يتضح بعد، بالنسبة إلى مرحلة ما بعد القضاء على "داعش"، ويشير إلى أنه في حال قررت واشنطن البقاء في سوريا ستكون البلاد متجهة إلى توزيع مناطق نفوذ، لكن في حال قررت المغادرة فإن كل سوريا قد تعود تحت النفوذ الروسي وفق تفاهمات تشمل أماكن أخرى، ويتوقع أن يكون هناك توافقاً بين الجانبين الروسي والأميركي لم تظهر تفاصيله بعد.