– لا تقتصر لعبة الدومينو التي يطلقها الاستفتاء على انفصال كردستان العراق، على ما سيترتب عليه من تزخيم مشاريع استقلالية نائمة في مناطق وأقاليم أخرى في العراق، ولدى جماعات سنية وشيعية تحرص السعودية على رعايتها، ولا على الشحنة الدفعة التي يوفرها للتمسك الكردي في سورية بصيغة الفدرالية والاستقواء بالقوة العسكرية التي تملك تغطية أميركية مقابل ما تقدّمه من غطاء لبقاء الأميركيين على الأراضي السورية، ولا أيضاً على ما يوفره الاستفتاء من إعلان مرحلة جديدة في الإقليم بات رسم خرائط جديدة فيها متاحاً، ويُغري نموذج الفدرالية الطامعين باستغلال الصخب الكردي من قوى لا تزال في مناطق التهدئة في سورية عاجزين عن التمرّد العسكري، لكنهم يملكون الحوافز لطلب صيغ تمنحهم إدارة المناطق التي يقتطعونها من الجغرافيا السورية، بل أيضاً بما يوفّره في الإقليم من استنهاض لمناخ سياسي جديد، رغم أن الاستفتاء لن يتوّج بالإعلان عن قيام دولة كردية.
– عندما تظهر الإشارات الواضحة لحجم التبني الذي توفره السعودية و«إسرائيل» للانفصال الكردي في العراق، ولتشجيع خصوصية كردية مسلحة في سورية، تجب إعادة فحص الموقف الأميركي الحقيقي من مستقبل التسويات الكبرى في المنطقة، وما إذا كانت المغامرة الجديدة تعبيراً عن ورقة أميركية أخيرة طويلة الأمد قرر الرئيس المقامر دونالد ترامب أن يلعبها استجابة لنصائح عسكره ومخابراته، كما يجب أن نعيد فحص معنى الزيارات المتكررة إلى أربيل، والعلاقات الأمنية والاقتصادية التي تقيمها أطراف لبنانية ليست بعيدة راهناً عن الخيار السعودي ولم تكن بعيدة سابقاً عن الخيار الأميركي، وليست يوماً ببعيدة عن الخيار الأميركي، مع قيادة إقليم كردستان في العراق، وأن نستكشف فرص تحوّل المناطق الكردية إلى قواعد ارتكاز للحلف المناوئ لسورية والمقاومة وإيران، وتخفيف الضغط عن «إسرائيل»، والإحراج الذي يسببه لجماعات واشنطن وجود «إسرائيل» في الواجهة.
– ثمة معلومات تقول إن جذر الأزمة السعودية مع قطر، بدأ من قمة الرياض التي قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي جرى في كواليسها نقاش حول كيفية المواجهة مع إيران، وأهمية التعاون مع التطلعات الكردية للانفصال، لما تمثله من قيمة استراتيجية في استنزاف إيران وحلفائها في العراق وسورية، وإن قطر عارضت ذلك من منطلقات التضامن مع تركيا ومخاوفها، وأن مسارعة تركيا وإيران للتحرك لمنع إسقاط قطر نابع عن هذا الاعتبار، وبالتالي فتوقعات مسار التصعيد والتهدئة في الملف السعودي القطري تتمّ على إيقاع درجة تقدم وتراجع الاستثمار السعودي، المدعوم «إسرائيلياً»، على مشروع الانفصال الكردي.
– الورقة التي يحتفظ بها الأميركي إذا لمس تراخياً ومرونة لدى قوى محور المقاومة، هي الدعوة لمقايضة بين خياري حرب استنزاف طويلة، أو قبول دولة رخوة في كل من العراق وسورية، تحفظ للأكراد درجة أعلى من الخصوصية التي يتمتعون بها اليوم، خصوصاً على الصعيد الأمني والدبلوماسي، مهما كانت تسميتها القانونية، بينما تلتقي «إسرائيل» والسعودية على عرض معادلة مقايضات من نوع آخر قوامها، حق تقرير المصير، فمَن يُرِد التمسك بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بإقامة دولته، فستقابله «إسرائيل» بحق تقرير المصير المشابه للأكراد في العراق، ومَن يُرد حق تقرير المصير في شكل نظام الحكم لشعب البحرين فستقابله السعودية بحق تقرير المصير المشابه للأكراد في سورية. والبديل السعودي «الإسرائيلي» بقاء القديم على قدمه بدلاً من فتح صندوق باندورا المليء بالمفاجآت.