تتهرّب أغلبيّة الجهات السياسيّة في لبنان من إعطاء أي معلومات مُهمّة عن طبيعة تحالفاتها في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، بحجّة أنّ الوقت لا يزال باكرًا. لكنّ وبعيدًا عن الإعلام، الإتصالات قائمة على قدم وساق لرسم خريطة هذه التحالفات من اليوم. ومن بين الإقتراحات التي يتمّ درسها بجدّية، إمكان التحالف إنتخابيًا بين كل من "تيّار المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُر". فهل هذا الأمر مُمكن وما هي أبرز العقبات بوجهه؟.
لا شكّ أنّ القانون الجديد للإنتخابات النيابيّة والذي يعتمد مبدأ "التصويت النسبي" وليس الأكثري جعل من غير المُناسب تحالف قوّتين سياسيّتين كبيرتين من البيئة الطائفيّة نفسها، حتى لا يُصبح التنافس ضمن اللائحة نفسها وخُصوصًا على "الصوت التفضيلي"، في ظلّ محدوديّة عدد المقاعد لكل مذهب في عدد كبير من الدوائر. وأدّى هذا الأمر إلى سُقوط التحالف الذي كان من المُفترض أن يتمّ بين "التيّار الوطني الحُرّ" وحزب "القوّات اللبنانيّة". في المُقابل، وبما أنّ التحالف من خارج البيئة الطائفيّة والمذهبيّة نفسها يُعزّز فرص اللائحة بالفوز، بدأ أكثر من طرف السعي لنسج تحالفات خارج بيئته الشعبيّة الحاضنة-إذا جاز التعبير. ومن هذا المُنطلق، يتمّ جديًا درس إحتمال تحالف كل من "التيار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" في العديد من الدوائر، منها على سبيل المثال لا الحصر: "صيدا-جزين"، و"الشوف-عاليه"، و"عكار" و"زحلة". وأظهرت الدراسات أنّ مصلحة مُشتركة تجمع كلاً من "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ" في تبادل أصوات الناخبين بما يرفع من فرص فوز أكبر عدد مُمكن من أي لوائح مُشتركة بين الطرفين، من دون أن يسطو أي طرف على حصّة الطرف الآخر.
وفي المعلومات المُتوفّرة أيضًا، أنّ المسؤولين لدى الطرفين الذين يدفعون نحو إتمام ظروف ومناخات تشكيل لوائح مُشتركة بين "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ" يتطلّعون إلى ما هو أبعد من الفوز في المعركة الإنتخابيّة، وتحديدًا إلى إستمرار الشراكة بين الطرفين والتي كانت أفضت إلى إعادة تحريك عجلة الدولة ككل، من خلال إنتخاب رئيس للجمهوريّة، وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة جامعة لأغلبيّة القوى السياسيّة الأساسيّة، والتوافق على قانون إنتخابي جديد، وتمرير دُفعة كبيرة جدًا من التعيينات الإدارية التي كانت مُجمّدة، إلخ. وبرأي هؤلاء، إنّ كلاً من "التيار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" قادر على لعب أدوار توحيديّة مُهمّة على مُستوى الوطن، لا يُمكن لأيّ ثنائي آخر القيام بمثله، لأنّ "الوطني الحُرّ" نسج علاقات تفاهم مع مروحة واسعة من القوى السياسيّة، وفي طليعتها "حزب الله"، بينما يتمتّع "المُستقبل" من جهته بعلاقات لا بأس بها مع العديد من القوى، الأمر الذي يسمح في حال تقاسم الحُكم بين "المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ" بترسيخ أجواء الإستقرار أكثر فأكثر في البلاد، خاصة عند إنجاز الإنتخابات النيابيّة، وإنبثاق أولى حُكومات العهد الفعليّة وفق حجم القوى التي ستفرزها هذه الإنتخابات.
لكنّ العائق الأبرز الذي يحول دون إتمام التحالف الإنتخابي بين "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ"، يرتبط بموقف "حزب الله" منه، حيث أنّ هذا الأخير كان أبلغ "التيّار البُرتقالي" بشكل واضح في مرحلة سابقة، أنّه لن يُصوّت لأي مُرشّح "قُواتي" في حال تحالف "الوطني الحُرّ" مع حزب "القوّات". وعُلم أنّ ما ينطبق على "القوّات" يسري أيضًا على "المُستقبل" حيث أنّ "الحزب" لن يُصوّت لأي لائحة تضمّ مُرشّحين عن "تيّار المُستقبل" حتى لوّ دخل هذا الأخير في تحالف مع "التيّار الوطني الحُرّ"، وذلك لاعتبارات سياسيّة بحت.ودفعت هذه العقبة بالتيّار "البُرتقالي" إلى مُراجعة حساباته من جديد، بعد سُقوط فرص اللوائح الإئتلافيّة الموسّعة، علمًا أنّ "الوطني الحُرّ" الذي يستفيد إنتخابيًا من تحالفه مع "المُستقبل" في العديد من الدوائر، لا يُريد في الوقت عينه خسارة تحالفه مع "الحزب"، وهو التحالف الذي أفاده في السابق في العديد من الدوائر الإنتخابيّة الأخرى، والذي سيُربحه فيها في المُستقبل أيضًا في حال الدخول في لوائح مُشتركة مع "الحزب". كما أنّ "الوطني الحُر" لا يُريد خسارة تحالفه الإستراتيجي مع "حزب الله"، في مُقابل الفوز بتحالف تكتيّ وظرفيّ مع "المُستقبل" قد لا يُعمّر طويلاً، خاصة في حال لم ينجح "المُستقبل" في تأمين كتلة نيابيّة مُشابهة أو على الأقلّ قريبة من حجم كتلته الحالية.
ويُمكن القول في الختام، إنّ بين تحالف "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ" عقبة إسمها "حزب الله"، الأمر الذي سيدفع الأطراف الثلاثة المعنيّين، وكل القوى الحليفة لهم، إلى إجراء حسابات بالغة الدقّة قبل إعلان تحالفاتها الإنتخابيّة النهائيّة، خشية القيام بأي"دعسة ناقصة"-إذا جاز التعبير، خاصة وأنّ نتائج الإنتخابات النيابيّة المُقبلة مصيريّة على مُستوى الأحجام السياسيّة والتوازنات الداخليّة.