– جهد الأميركيون وحلفاؤهم للمتاجرة بالتفاهم الذي أنجزه حزب الله مع داعش بعد نصر واضح على مسلحي التنظيم في جرود لبنان وسورية، يقضي بنقل ما تبقى من المسلحين وعائلاتهم بأسلحتهم الفردية إلى محافظة دير الزور مقابل كشف مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين وتحرير جثامين شهداء وأسير لحزب الله، واستنفر الأميركيون جماعاتهم من العراق ولبنان والقنوات الفضائية والصحف المموّلة والمشغلة من السعودية لتشويه صورة حزب الله ونقاء نصره، واتهامه بجدية حربه على داعش التي تتحدّث عنها الانتصارات ودماء الشهداء. وخاض الأميركيون حرب تعطيل التفاهم بحجز قافلة مسلحي داعش في الصحراء، فلم يُصَب حزب الله بالإحراج بل خرج مدافعاً عن تفاهمه مقدّماً فيه أطروحة في أخلاقيات الحرب وفي منهج واستراتيجية حرب نفسية إيجابية لتفكيك داعش والتمهيد لمسار استسلام مسلحيها في معاركه المقبلة، وأحسن استثمار الحملة ضده لتنقلب وجهاً من وجوه الدعاية للحزب وقيمه القتالية ومناقبيته العسكرية، وتمهيداً لاستسلام عناصر داعش، كلما حوصروا من مقاتليه، واثقين أنهم لن يعامَلوا بالوحشية التي عاملوا بها هم كل مَن وقع بين أيديهم.
– استُحضرت في آخر فصول التفاهم، ببلوغ القافلة مكان وصولها النهائي وتحرير الأسير المقاوم أحمد معتوق، كلُّ موازين القوى المحيطة بالحرب في سورية وعليها، فرمى الأميركيون بثقلهم ورمى حزب الله بثقله. وكانت الأمور هذه المرة كلمة أميركا مقابل كلمة حزب الله، والحرب في ذروتها على ضفاف الفرات ونحو دير الزور، حتى قال يعقوب عميردور إن إسرائيل قاتلت عام 2006 لتدفع حزب الله إلى وراء الليطاني وهو يبعد كيلومترين عن الحدود من جهة المطلة الخردلي، وها هو حزب الله على ضفاف الفرات يتوسّع مئات الكيلومترات، وخلال أيام حُسمت حرب دير الزور، فأعلن الأميركيون أنهم بطلب روسي أوقفوا متابعة القافلة الخاصة بداعش، فأكملت مسيرها ووصلت نقطة النهاية وحرّر حزب الله أسيره المقاوم معتوق. وكسر الإرادات هنا يقول إن كلمة حزب الله خرجت هي العليا، لا بل إن أميركا التي تاجرت للنيل من التفاهم وبذلت كل ما تستطيع لتعطيل مفاعيله، تحوّلت شريكاً في تنفيذه لحساب حزب الله، كما لو أنها شريك يقدم المساهمة لتحرير أسرى حزب الله يوم التبادل بعد حرب تموز، لضمان وصول الشهيد سمير القنطار محرراً إلى لبنان، هذه هي موازين القوى الحقيقية في المنطقة لمن يعرف معنى قراءة السياسة والاستراتيجيات.
– أطل القيادي في حزب الله الحاج أبو مصطفى في لقاء تلفزيوني نادر الحدوث، من دير الزور بعد فك الحصار عنها، فظهر قائداً سياسياً وفكرياً عالي الثقافة دقيق الاختيار في التعابير، قال بدقائق ما يكفي لرسم مسار الحرب في سورية ومسيرة حزب الله فيها، فقال إن الإطلالة على الإعلام ترجمة لمعادلة نكون حيث يجب أن نكون بمعادلة نكون كيف يجب أن نكون، فعندما يقتضي الظهور علناً نظهر علناً وعندما يقتضي أن لا نظهر فلا نظهر، وقال إن الخطوات العسكرية تقررها القيادة السورية ونحن ننفّذ ما تطلبه القيادة. وقال إن قرار الأمين العام لحزب الله بالظهور العلني ليظهر محور المقاومة في هذا النصر الاستراتيجي بتجلياته كلها، ومعه روسيا الصديقة، من إيران
الإسلام إلى عراق العروبة وسورية الأسد إلى لبنان المقاومة ففلسطين القضية، مانحاً كل ركن في المحور صفة ملازمة ذات مغزى. قرأ أبو مصطفى في بعض كلامه نصاً مكتوباً وكرّر جملاً قالها مرتين، فكان قائداً مميزاً في الأداء، لكنه تدفق مرات بلا نص فكانت سلاسة التعبير صدقاً ومصداقية لقائد، مثل ترميزه لخماسية أوصاف أركان محور المقاومة، بهؤلاء تنتصر مقاومة رصيدها أخلاق وثقافة وشجاعة وإيمان.
– أصدر الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام وفور تحرير دير الزور مرسوماً جمهورياً يحدّد موعد الانتخابات الفرعية في دير الزور عن مقعد نيابي شاغر في الثلاثين من شهر أيلول الحالي، بينما يتهرّب بعض المسؤولين اللبنانيين من إجراء انتخابات فرعية منتظرة منذ شهور وسنين، ويحاولون تهريب الانتخابات كلها منذ سنين ويكرّرون المحاولة اليوم، وبين حال سورية الأمنية، وخصوصاً دير الزور وحال لبنان تكمن العبرة في الحديث عن معنى وجود الدولة، وعن ظروف مناسبة لإجراء الانتخابات، والأهم كيف يكون رجال الدولة، وللذين يقولون إن الانتخابات في سورية معلّبة، ولذلك لا يهابون إجراءها جواب بسيط، إن مشكلتكم إذن انتظار تعليب الانتخابات وليست الظروف الأمنية والإدارية المناسبة، أو الجواب إذا كانت في سورية ممكنة الإجراء ومعلبة، فلتكن عندكم ممكنة الإجراء ولا تعلّبوها، أما للخائفين من إجرائها على حساباتهم وأوزانها، فالجواب أنكم ستخسرون كلما تأجّل الموعد مزيداً من الحجم والوزن، فزمن هزائم مشروعكم سيتجلى أكثر وأكثر، فسارعوا إليها اليوم أفضل من الغد أو أقل سوءاً، واعملوا بالقول المأثور، «إن هبتَ أمراً فقَعْ فيه، فإن شدّة توقيه أعظم مما تخاف منه».