عاد مخيم عين الحلوة الى واجهة الاهتمام السياسي مجددا، فلا تكد تنتهي أزمة أمنية او عسكرية حتى تطل أخرى أشد وأخطر وأكثر تعقيدا، وفيما تحاول قواه السياسية إلتقاط أنفاسها وتتنفس الصعداء تجدها أمام تحدّ جديد يتوجب مواجهته، من عمليات الاغتيالات الجسدية والتصفيات السياسية، مرورا بالاشتباكات العسكرية التي ما زالت ترخي بتداعياتها المؤلمة، الى قضية المطلوب خالد السيد وامتدادا قضية المطلوبين الخطرين وفي مقدمهم اللبناني شادي المولوي، وصولا اليوم الى قضية المصري فادي إبراهيم أحمد علي أحمد والملقب بـ"أبو خطاب" الذي كشف الجيش اللبناني انه العقل المدبّر لـ"خلية إرهابية" تنتمي الى تنظيم "داعش" كانت تخطط للقيام باعمال إرهابية والمتوار في المخيم.
واكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان إعلان الجيش اللبناني، بان خلية "داعش" التي يقودها بـ"أبو خطاب" المتواري في المخيم، شكّل صدمة في الاوساط السياسية والشعبيّة، مثلما كان الحال مع المطلوب خالد السيد، الذي كان العقل المدبر لخلية تفجيرات "جحيم رمضان" التي اوقفها الامن العام، ما يضع قضية المطلوبين وخاصة غير اللبنانيين على نار حامية لمعالجتها بشتى الوسائل، قبل ان تشعل "عود الثقاب" لتحرق المخيم على من فيه.
حتى الان، وخلافا لكل التسريبات، أوضح أمين سر "القوى الاسلامية" في عين الحلوة جمال خطاب لــ"النشرة" ان "القوى الاسلامية" لم تتلقَّ اي اتصال بشأن المطلوب "ابو خطاب"، لكنها تجري تحريات لمعرفته ومكانه، سيما وان المصريين في المخيم قلة ومعروفون"، متوقعا في الوقت نفسه ان تعقد اللجنة التي شكلت من ممثلي الفصائل الفلسطينية في منطقة صيدا للتنسيق والتواصل اليومي مع الاجهزة اللبنانية اجتماعا لبحث الامر، اضافة الى اجراءات الجيش المشدّدة وتأثيرها على حركة انتقال الناس وخاصة الطلاب، بينما أكد قائد "القوة المشتركة الفلسطينية" العقيد بسام السعد، ان "القوة" على جهوزية تامة لتنفيذ اي مهمة تطلب منها لحفظ الامن والاستقرار في المخيم وخاصة فيما يتعلق بالمطلوبين، وما اذا حددت اماكن تواجدهم"، نافيا ان "يكون هناك خلافات في نسيجها"، مؤكدا ان "القوة" متماسكة وهي تعمل يدا واحدة، وهي ملتزمة بقرارات "القيادة السياسية الفلسطينية" في منطقة صيدا.
دقت الساعة
تعترف المصادر نفسها، ان القوى الفلسطينية امام تحدٍّ كبير وجديد، فالاوضاع السياسية اللبنانية تختلف عن سابقاتها بعد انتصار الجيش على تنظيم "داعش" الارهابي في جرود رأس بعلبك والقاع وقبله "حزب الله" على "جبهة النصرة" الارهابية في جرود عرسال وفليطة وتحرير كل الاراضي اللبنانية من التنظيمات الارهابية، لتطلق "صفارة الانذار" نحو "البؤر" الامنية التي يمكن ان تشكل مصدرا لاستهداف الامن اللبناني ومنها المخيمات الفلسطينية وخاصة عين الحلوة، الذي، تحول في السنوات الاخيرة الى ملاذ للكثير من المطلوبين الذين يدخلون اليه خفية، او عبر بطاقات مزورة.
واذا كانت السلطات اللبنانية، تعي جيدا ان معالجة هذه القضية تحتاج الى وقت وجهد وتعاون سياسي وأمني مع الفصائل والقوى الفلسطينية، في ظل التعقيدات اللبنانية نفسها والاستعداد لاجراء الانتخابات النيابية، الا انها على يقين ان "ساعة الصفر"، قد دقت وحانت لمعالجة جديّة تنهي رهن المخيم الى أجندات غير فلسطينية، وهنا المسؤولية مشتركة لبنانية-فلسطينية في التصدي وعدم تكرار تجربة "نهر البارد" التي لا يريدها أحد.
خطة مشتركة
وفق المصادر، فان الخطة اللبنانية الحالية تتركز على تشديد الاجراءات الامنية حول المخيم لمنع خروج اي مطلوب او استهداف للاستقرار اللبناني وخاصة بعد هزيمة "داعش" و"النصرة" الارهابيين ومحاولة الانتقام عبر "الذئاب المنفردة" او "الخلايا النائمة"، وهي تمثلت باتجاهين، الاول استكمال بناء الجدار الاسمنتي حول المخيم وقد بات في الجهة الجنوبية لجهة درب السيم وقد استكمل نحو 90% منه، والثاني باتخاذ تدابير مشددة لجهة الدخول والخروج اليه والتدقيق في الاسماء وفق لوائح المطلوبين وقد جرى الاستعانة بعناصر من المخابرات عند الحواجز العسكرية، بعد نصب كاميرات مراقبة وتركيب بوابات حديديّة ووضع كتل اسمنتيّة واسلاك شائكة، ما أدى الى توقيف عدد من الاشخاص للاشتباه بهم، ثم أعيد اطلاق سراح غالبيتهم.
بالمقابل، فان الخطة الفلسطينية تلاقي اللبنانية، لجهة تشكيل "اللجان المشتركة" الفلسطينية، تطبيقا لبنود التوافق الفلسطيني-اللبناني في مجدليون واجتماع القيادة السياسية الموحدة" الفلسطينية الذي عقد في مقر السفارة الفلسطينية في بيروت ومنها ثلاثة، الاولى، لمتابعة قضية المطلوبين ويجري تشكليها حاليا بعد تأخر دام أسابيع بهدف ان تكون فاعلة وقادرة على معالجة هذا الملف، الذي يعتبر الاكثر خطورة وتعقيدا، بل "قنبلة موقوتة" قد تنفجر في اي لحظة وبوجه الجميع، والثانية "غرفة العمليات المركزية" لمتابعة الاحداث الطارئة في مخيم عين الحلوة برئاسة قائد الامن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابو عرب، والثالثة "لجنة للتنسيق والتواصل اليومي مع الاجهزة اللبنانية في منطقة صيدا برئاسة أمين سر حركة "فتح" العميد ماهر شبايطة.
وأبلغت مصادر فلسطينية "النشرة"، أن الهدف من تشكيل هذه اللجان المتعددة، اتخاذ خطوات عملية لمواكبة أي طارىء بهدف قطع الطريق على أي توتير من جهة، وصولا الى تحصين الامن والاستقرار في المخيم من جهة اخرى، فيما الاهتمام ما زال ينصّ على تذليل ما تبقى من عقبات لانتشار "القوة المشتركة" في "حي الطيرة" الى جانب قوات الامن الوطني المتواجدة فيه، لسحب فتيل الاحتقان وقطع الطريق على أي توتر".
قضية الجدار
الى جانب قضية المطلوبين، عاد الجدار الاسمنتي الذي يشيده الجيش اللبناني حول المخيم الى واجهة الاهتمام بعدما تبلغت "القوى الفلسطينية"، بأنه سيضم لدى وصوله إلى الأطراف الجنوبية للمخيم لجهة حطّين، "مجمع منصور عزام"، "مسبح حطين" و"مجبل باطون" و"موقف سيارات" تستفيد منه أكثر من 250 سيارة، ما دفع بلجنتي "لوبيا" برئاسة ابو وائل زعيتر و"حطين" برئاسة علي اصلان للقيام بجولة على بعض القوى السياسية اللبنانية، حيث التقت كلا من النائب بهية الحريري، الامين العام للتنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، لابقاء مجمع عزام وملحقاته ضمن حدود المخيم وليس خارجه، غير ان عقبة ظهرت وتمثلت بانتهاء العقد مع أصحاب أرض جرادي الذي يقوم عليها "المجمّع"، رغم أن العقد قد جدد هاتفياً منذ 15 يوما وفق ما ابلغ اصلان، الذي اضاف "بحثنا المشكلة مع رئيس مكتب مخابرات الجيش اللبناني في صيدا العميد ممدوح صعب، وأبلغنا بوجود قرار من وزارة الدفاع بأن تكون جميع الأملاك اللبنانية خارج المخيم، إلا في استثناء أن تكون الأرض قد بيعت أو مستأجرة" حاليا، لافتاً إلى أن "لجان الأحياء حاولت تغيير مسار الجدار إلى حدود درب السيم على أطراف المخيم لكنها فشلت".
بوادر مصالحة
سياسيا، انشغلت القوى الفلسطينية بمتابعة تفاصيل التقارب "الفتحاوي–الحمساوي" برعاية مصرية، وسط ترحيب بقرار حركة "حماس" حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة لإتاحة المجال أمام جهود مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية، على اعتبار ان هذا القرار خطوة مهمة ومتقدمة باتجاه إنهاء الإنقسام المدمر في الوضع الداخلي الفلسطيني وإنجاز المصالحة، وعلى أمل أن تؤدي إلى بدء حوار شامل يؤدي إلى تنفيذ كافة بنود المصالحة وما تم الاتفاق عليه سابقا، بما فيه ذلك تحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني حيث أمكن، والبحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية".
وتأمل القوى الفلسطينية في لبنان، ان تساهم المصالحة التي يحتاج اليها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتشكل مظلة حماية سياسية للمخيمات التي تعيش أوضاعا سياسية وأمنية وانسانية واجتماعية صعبة بحيث يؤدي الاتفاق والمصالحة الى تخفيف هذه المعاناة، وفتح حوار رسمي وسريع مع الدولة اللبنانية لمعالجة كافة القضايا والمشاكل بين الطرفين على قاعدة الحقوق والواجبات ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية والاجتماعية والانسانية والمدنية في لبنان.