بعد أيام قليلة على نجاح لبنان في تحرير أراضيه من الجماعات الإرهابية المتطرفة، التي كانت تتمركز في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، خرجت بعض السفارات الأجنبية، لا سيما الأميركية والفرنسية والبريطانية والكندية، بتحذيرات إلى رعاياها من عمليات إرهابية تنتظر الشارع اللبناني، وكان التركيز الكبير على كازينو لبنان الذي يعتبر أهم معلم سياحي في البلاد، مما سبب بحالة هلع كبيرة في صفوف المواطنين، من الطبيعي أن يكون لها تداعيات.
وبحسب المعلومات، التحذير الأساسي كان من السفارة الأميركية في بيروت، في حين أن باقي السفارات إختارت الإلتحاق بها بشكل تلقائي، بينما الأجهزة الأمنية اللبنانية لم يخرج عنها أي تعليق رسمي، باستثناء البيان الصادر عن قيادة الجيش، حول تنفيذ مديرية المخابرات عدة عمليات دهم اثر توافر معلومات عن قيام خلية تابعة لتنظيم "داعش" بالتخطيط والتحضير للقيام بعمل إرهابي، مشيرة إلى توقيف 19 شخصاً لارتباطهم بشكل أو بآخر بالخلية المذكورة، التي يرأسها المصري فادي إبراهيم أحمد علي أحمد الملقب بـ" أبو خطاب"، وهو متوار داخل مخيم عين الحلوة في صيدا.
في هذا الإطار، هناك مجموعة من الأسئلة من المفترض أن تطرح حول حقّ السفارات الأجنبيّة في إصدار مثل هكذا تحذيرات من دون تنسيق مع الدولة اللبنانية، لا سيّما بعد أن دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المواطنين إلى عدم الإنجرار وراء الشائعات، خصوصاً أنها تتسبب بحالة هلع كبيرة في صفوف المواطنين والمقيمين، ويكون لها تداعيات خطيرة على الأوضاع المحليّة، لكن الأهم هو السؤال عن الحالة الأمنيّة في البلدان التي أصدرت سفاراتها هذه التحذيرات.
من حيث المبدأ، يمكن الجزم بأن الوضع الأمني في لبنان، على مستوى التهديدات الإرهابية، هو أفضل من البلدان الأربعة المذكورة، بالرغم من قربه جغرافياً من بؤر التوتّر في سوريا والعراق، لا بل أن الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة أثبتت أنها أكثر كفاءة من أجهزة تلك البلدان، مع العلم أن هناك فرقاً شاسعاً في الإمكانات الماديّة، من خلال كشفها المسبق العشرات من الشبكات الإرهابيّة، بينما باتت مدن فرنسا وبريطانيا وبلجيكا، على سبيل المثال، تشهد عمليات دهس وطعن وإطلاق نار بشكل شبه يومي، وحكوماتها أعلنت حال الطوارىء في أكثر من مناسبة، الأمر الذي لم يحصل في لبنان على مدى السنوات الأخيرة، كما أن وزير الداخلية الفرنسية جيرار كولومب كان قد أعلن، قبل أيام قليلة، أن بلاده أحبطت 12 تجربة اعتداء إرهابي منذ بداية العام الحالي، بينما كانت الحكومة البريطانية قد رفعت، حتى يوم أمس، مستوى التهديد الأمني إلى "حرج"، قبل أن تعود إلى خفضه إلى "حاد"، على اثر الهجوم الأخير داخل مترو الأنفاق في العاصمة لندن، الذي تسبب بإصابة 29 شخصاً.
قد يكون من حق السفارات المذكورة أن تنبّه أو تحذّر مواطنيها من أيّ تهديد إرهابي، لا بل هذا من ضمن مسؤولياتها، لكن ذلك لا يجب أن يتم على حساب أعصاب المواطنين اللبنانيين والمقيمين الأجانب، الذين كانوا يتخوّفون من حصول عمل إرهابي في اليومين الماضيين، ولا على حساب المؤسسات اللبنانية، وقد يكون من المفيد أن يتم هذا الأمر من دون هذه البلبلة، خصوصاً أن المخاوف الأمنية من الجماعات المتطرفة موجودة في كل بلدان العالم بشكل عام، وفي تلك الدول بشكل خاص بعد أن صدرت العشرات من مواطنيها الإرهابيين إلى الشرق الأوسط، وساهمت من خلال سياساتها في نمو هذه الظاهرة، خصوصاً بعد حرب أفغانستان وغزو العراق على اثر هجمات 11 أيلول من العام 2001 الشهيرة، ومن الضروري أن تتابع وزارة الخارجية والمغتربين هذا الأمر مع السفارات المعنية كي لا يتكرر في المستقبل، على أمل أن تقوم تلك السفارات أو حكوماتها، بتحذير مواطنيها وقاطنيها من الهجمات الإرهابية التي تقع فيها قبل حدوثها.